مهرجان أفلام السعودية.. عيد لصناع السينما في المملكة

ثقافة 2024/06/10
...

 د. محمد البشير*

اختتمت مؤخرا الدورة العاشرة من مهرجان أفلام السعودية بعد ليال وأيام حافلة بالأفلام والندوات، والورش التدريبية، ومعامل التطوير، والمناشط المختلفة المعزّزة لصناعة الأفلام، فالمهرجان بمثابة (عيد السينمائيين) السعوديين السنوي، ويزداد اتساعا عامًا بعد عام بانضمام الخليجيين وإخوتهم من العراق واليمن، والابتهاج بأفلامهم في هذه الدورة تحديدًا، التي كانت فارقة بوصفها المتممة لعقد سالف، والمبشرة بعقد جديد أكثر عطاء وإنجازا.

يحاول المهرجان كل عام مفاجأة الحضور بفيلم الافتتاح، ففي العام الماضي افتتح المهرجان بفيلم (سليق) لأفنان باويان، وهو فيلم (ستوب موشن) كان مفاجأة الافتتاح، وكان محل حفاوتهم وغبطتهم بصناعة فيلم بهذه التقنية والتركيز، وهذا ما جعلني أترقب هذا العام، ما الذي يمكن أن يفتتحوا هذه الدورة به من أفلام؟ وخاصة أن هذه الدورة تحت محور (سينما الخيال العلمي)، وأعرف أن المحاور بذور للمستقبل، وأن الخيال العلمي لم نخض غماره بعد، وهذا ما يحفزنا لترقب دورة نفتتحها بإذن الله بفيلم خيال علمي، فمن يدري؟ ولكن المهم في ليلة الافتتاح، والتخمين بما هو الفيلم الذي يمكن أن نفتتح به هذا العام؟
حدثت المفاجأة بفيلم (أندركراوند) للمخرج عبدالرحمن صندقجي، وهو فيلم وثائقي، يتحدث عن فرقة موسيقية، ومعاناتها السابقة التي تم تجاوزها بما نعيشه اليوم، ومن المغامرة أن تفتتح دورة بفيلم وثائقي لطبيعته الجادة على الغالب عند مقارنة الأفلام وأنواعها، ولكن هذا ما تعودناه من مهرجان أفلام السعودية الذي يمنح الفرصة لكل أجناس الأفلام، ويضعهم على مسطرة واحدة من التقدير، ويضع صُنّاعهم على مسافة واحدة من الحفاوة.

العدد المفاجئ
منذ سنوات ومساحة الأفلام الوثائقية الأكثر اتساعا لقلة المشاركين عند مقارنتهم بأقسام المسابقات الأخرى مثل الروائية القصيرة، وأفلام الطلبة، فشأن الوثائقي من قبل مثل الأفلام الطويلة مؤخرًا، وأفلام التحريك، فالمتقدمون قلة، والجوائز أقرب لمن يساهم في هذه الحقول بميزان النسبة والتناسب، ولهذا نحثّ وقتها بالتجريب في الفيلم الوثائقي، وربما حدث ما كُنّا نحفز من أجله، فهذا العام حدثت المفاجأة مكررة بعد الافتتاح بعدد الأفلام المتقدمة، فالمخرج الروسي دزيجا فيرتوف أحد أعمدة السينما الوثائقية كان يحلم بتقدم صناعة السينما الواقعية على الأفلام التمثيلية، واستبدال التمثيل بما هو واقعي، ومسرح تجسيد المشاهد بالحياة نفسها، ففي الوثائقي من الدراما ما يكفي عن التمثيل، وما على المخرج سوى أن يظهر العالم كما هو، فهو لا يستطيع أن يرى  سواه  
الفأل الحسن حدث هذا العام باقتراب عدد الأفلام الوثائقية من عدد الأفلام الأخرى، فالقائمة تضم 20 فيلماً، وهذا عدد لم نحلم به من قبل، فبالإضافة إلى فيلم الافتتاح الذي حصد جائزة النخلة الذهبية لجائزة لجنة التحكيم، يأتي فيلم "كتم الأنفاس"، لعيسى الصبحي، و "لا ترتاح كثيرًا" لشيماء التميمي، وفيلم "رجل الغابة المخفية" لخالد جميل الهوسة، و"روح رمضان" لعبد الله محمد عكاشة، و"درب زبيدة – رحلة هايكنج" لدنيا العطوة، و "دهجان الورد" لمحمد عبد الله العجمي، و"الشتاء الأخير" لحيدر داوود، و"بعد 48" لعلي البيماني، و"أصوات العلا" لميتوشكا ألكوفا الذي فاز بجائزة جبل طويق لأفضل فيلم عن مدينة سعودية ، و"المحطة السابعة" لعبادة أحمد الحمامي ، وأفلام متعلقة بالرياضة مثل : "سعد" لنواف عبد العزيز الحربي، و"قدّها" لنهلة أحمد الصغير، وفيلم "هورايزن" لفايبان لامير من مبادرة كنوز لوزارة الإعلام الذي حصد جائزة النخلة الذهبية لأفضل فيلم عن البيئة السعودية، و"هدهدة" لعلي العبد الله، و هذا العام يأتي سعد طحيطح بفيلمين: "حياة مشنية" و" ذاكرة عسير" لا فيلما واحدا فحسب،  ويفوز بجائزة النخلة الذهبية للموضوع الوثائقي الفريد عن فيلمه الأخير، وهو اسم يستحق بما يحفره في الأفلام الوثائقية، وكما تم التنوية من لجنة التحكيم لفيلم "الإيحلة" لمحمد مجيد المبارك.

بقي فيلمان
ادخرت فيلمين لأختم بهما، ولأمرين أولهما: أنهما حصد جائزتين، والثانية لموضوعهما، واتفاقهما على المهمش والمهمل، وهذا ما يجب أن تطارده الأفلام الوثائقية، وهي ما اعتادته العين، وحقه أن يؤطر، فمزية الوثائقي أن ما تراه عاديًا؛ يصبح فريدًا عند غيرك، وما تزدريه مثل موضوع (الحمار) في الفيملين، هو ما يجب أن تقدّره ابتداء، فهذا الحيوان واجه من الازدراء الكثير، واتُخذ اسمه محل الشتيمة والتقليل، بينما هو شعار للحزب الديموقراطي الأمريكي، وتاريخنا اتخذ من (الحمار) لقبا للخليفة الأموي مروان بن محمد، وهو دلالة للصبر والدهاء والصمود في مواجهة الصعاب، وأذكر أن المخرج أحمد الحساوي بفيلمه (قاري)، وفوزه بجائزة على نطاق محافظة الأحساء كان محل مناجاة بيني وأنا أدير الحوار بين الفائزين في المسابقة، وتحفظه سرا بأن الموضوعات أكثر من حصرها في (حمار)، وحلّق الحساوي طويلاً، وهذا ما كان  متوقعًا.
تكرر هذا التقليل رغم ما رؤوه من نتائج لتجارب سابقة، ففي لقاء لاحق عن عزم المخرج محمد باقر بإنتاج فيلم "سباق الحمير"، وبحضور المنتج المنفذ حسن البقشي، وغياب المخرج دار نفس الحديث، والتوجيه التقليدي بالبحث عن موضوعات أخرى، وكأننا نخجل مما نشاهده في طرقاتنا، وجميل أن فيلم "سباق الحمير" توّج بجائزة النخلة الذهبية لأفضل فيلم وثائقي، عن هذا الموضوع الذي كان حديث المهرجان، ومحل تواصٍ بين الأصدقاء للحرص على مشاهدته، وفوات حظ من لم يشاهده من حاضري المهرجان، والأجمل أن يحصد فيلم "بر سار" للمخرج محمد جاسم من البحرين جائزة النخلة الذهبية للفيلم الخليجي الوثائقي عن مكان لسباق الحمير أيضًا، ونشاهده في كل مرة نذهب فيها إلى البحرين، وحفظ هذا المشهد الذي يُخشى أن يندثر، ويذهب مع كثرة التقليل، ومحاربة أدعياء التطور، دون النظر إلى إرث يُحفظ كاملا دون انتقاء، ففي كل مكان سباق لحيوانات، وافتخار ببطولة دون تفريق بين مصارعة ديكة، أو مهرجان ثيران، أو سباق خيول، ولعل الكاميرا وعفويتها في التقاط اليومي في هذا الزمن، تكون كفيلة بتحقيق حلم فيرتوف المناصر لقيمة الحقيقة الفريدة، وتسجيل الحياة كما هي، واللحظة التي لم يسبقها أي
استعداد، وأن نخرج بأفلام دون سماع (3.2.1. أكشن)، ودون وصايا أدعياء الخشية على سيرة أماكنهم.

* ناقد سينمائي سعودي