الفيلم الوثائقي والهويَّة الوطنيَّة

ثقافة 2024/06/10
...

علي حمود الحسن

تمتعت بقراءة كتاب المخرج العراقي الأكثر نشاطا وانتاجا، والأقل دعما هادي ماهود المقيم في استراليا " الفيلم الوثائقي والهوية الوطنية"، الصادر عن  دار مسامير للطباعة والنشر في السماوة 2022.  
ضم الكتاب الذي اطلعت عليه مؤخرا؛ ستة فصول وملحقا.. يتضمن فصله الأول مقدمتين كتبهما د. صالح الصحن ود. نزار الراوي، سلَّطا الضوء فيها على أهمية الكتاب والأفكار المطروحة فيه، اذ قال الصحن "الكاتب ماهود  مرَّ على التاريخ الفيلمي الوثائقي، وتمعن جيدا في صنعته وأغراضه، وأهدافه، ومحمولاته الفكرية والجمالية، وذهب الى تجارب محلية عراقية قديمة وحديثة في داخل البلاد وخارجها" .. فيما ركز رئيس جمعية الثقافة البصرية  نزار الراوي على سيرة هادي ماهود وتجربته الغنية، مثيرا أسئلة عن شجون السينما العراقية وهمومها، فهو يصفه "بأنه مخرج عراقي فرَّ إلى استراليا، خلال فترة حكم البعث، واستقر هناك ونشط في المجال الفني كصانع افلام ومسرحي أحياناً، صنع  عدة أفلام، لم يكن بينها حسب علمي ما هو عادي، فجميع أفلامه بلا استثناء منذ "العراق موطني" حازت على جوائز دولية رفيعة"، بعدها تطرق المؤلف الذي اتخذ من هيكل رسائل الماجستير منهجا له، الى مشكلة البحث التي هي من وجهة نظره: " إيجاد الهوية الحقيقية للفيلم الوثائقي العراقي، الذي سعى لتبني الهوية الوطنية العراقية منذ العهد الملكي، وكيف أنه تحول في العصور الجمهورية اللاحقة، الى محض انعكاس لأيديولوجيتها وترويج لخطابها".
 وعّرف المؤلف في فصله الثاني الفيلم الوثائقي على انه: " نوع سينمائي يعتمد على توثيق الواقع دون مبالغات أو تزييف.. وإذا كان الفيلم الروائي مساحة لإطلاق العنان للخيال في تركيبه، فإن الفيلم الوثائقي هو من يملك القدرة على الاحتفاظ بالواقع أو الإيحاء به عبر معالجة ابداعية، لا تكون أسيرة تماما لهذا الواقع"، متطرقا الى تاريخ هذا النوع من الافلام منذ  تسجيل  كاميرا الاخوة لومير مشهد خروج حشود عمال مصنعهم وحتى وقتنا الحاضر، ثم عرَّج على تحليل جماليات الفيلم الوثائقي، مشيرا الى القضايا السياسية والايدلوجية، التي يجب ألّا تؤثر في صانع  الفيلم الوثائقي من خلال  أطروحات المؤرخ الأميركي بيل نيكولز  أما الفصل الثالث الذي كرسه لتاريخ الفيلم الوثائقي العراقي، منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى العام 2003، مؤكدا  قناعة مفادها: " بأن الانسان إذا غاب، وغاب تسليط الضوء على واقعه الحقيقي في موضوعات هذه الأفلام، التي أسست لصالح دعاية السلطة كما تروج لنفسها "، مارا بأفلام الحرب وتجارب صناع السينما العراقيين بالخارج، مثمنا بعضا من تجاربهم، لا سيما تجربة قاسم عبد وميسون الباججي في تأسيس كلية السينما المستقلة، فضلا عن تجارب لشباب عراقيين في الداخل.
وضمَّن ماهود الفصل الرابع والخامس تحليلا لعينات اختارها، وهي فيلم " العراق في أشلاء" للمخرج الأميركي جميس لونغلي، وفيلم هادي ماهود " سوق سفوان"، الذي صوره بموبايله وبـ "آيباده" لينهي كتابه بفصل سادس، شرح فيه نتائج المقارنة بين اسلوبي الفيلمين ولغتهما السينمائية.
ثمة ملحق في ذيل الكتاب على قدر من الأهمية، طرح فيه المخرج الذي عاني الكثير للحصول على دعم مادي لأفلامه، دون جدوى رؤيته لإقامة سينما عراقية على أسس حديثة، اذ أرسل سؤالا لمجموعة من صناع السينما ونقادها من العراقيين  للإدلاء  بآرائهم، بشأن تطوير السينما العراقية، التي ما زالت تراوح في مكانها، منهم: المخرج هادي الراوي، والناقد فيصل عبد الله، والممثل والخرج جمال أمين، والمصمم والروائي محمد حياوي، وهؤلاء جميعا  أجمعوا على ضرورة الإنتاج المستقل المدعوم بصندوق دعم السينما، بعيدا عن هيمنة المؤسسات والوزارات التي تعرقل عجلة الابداع بدلا من دفعها إلى الأمام .