دعد ديب
المحارق النازية ومعسكرات الابادة البشرية لليهود تطل علينا عبر بانوراما ترتحل مع أشهر الأفلام، التي تربعت على عرش جوائز الاوسكار مما يجعل التساؤل قائما لماذا الآن؟ ولماذا تزامنت مع طوفان الأقصى، وهل الأمر عادياً؟
هل هي لغض الطرف عم يجري في غزة أم أن المقصود إحياء للذاكرة الجمعية والاشتغال على ما تحمله من مآسٍ وكوارث حصلت منذ فترة طويلة من الزمان على غرار أهوال معسكر أوشتيفز والمحارق النازية، ولكن السؤال الأهم ماذا عن المآسي وحرب الإبادة التي تحصل الآن؟
ففي فيلم (One Life (2023) "حياة واحدة" الذي عرض لأول مرة في مهرجان تورنتو السينمائي لعام 2023 وتم اقتباسه عن رواية باربارا وينتون "إذا لم يكن مستحيلًا.
حياة السير نيكولاس وينتون" الذي يقال انها سيرة ذاتية حقيقية له، الفيلم من إخراج جيمس هاوس بأسلوب التداعي والارتحال من الحاضر إلى الماضي عبر ذكريات" نيكوس وينتون" المعروف ب "نيكي" وهو الرجل الاقتصادي المعروف في سوق الأوراق المالية، حيث قام بإنقاذ حياة حوالي ستمائة وتسع وستون طفل أغلبهم من أصول يهودية من محرقة النازية قبيل الحرب العالمية الثانية، إذ كان ينوي محاولة تهريب السياسيين المغضوب عليهم، ولكنه عندما رأى الوضع المزري والبائس للأطفال المضطهدين، حيث لكل منهم قصة حزينة إذ شاهدهم في مخيم للاجئين يرتجفون من البرد والثلوج تحيط بالمكان؛ وآخرون يتلمظون للحصول على قطعة شوكلاتة؛ وفتاة لا تتجاوز الثانية عشرة تحمل طفلاً رضيعاً غير معروف لمن؛ وآباء يضطرون للانفصال عن أبنائهم إما بسبب الموت أو الاعتقال غير وجهته، حيث قام "وينتون" مع مجموعة من المتطوعين في المنظمات الانسانية بعمليات الإنقاذ وهم يسابقون الزمن عبر تسهيل تهريبهم إلى بريطانيا وتأمين تأشيرات خروج مزورة بالإضافة لتأمين أسرة تحتضن كلاً منهم، ورغم ذلك فشل بتهريب الدفعة الأخيرة منهم، لأن هتلر كان أسبق بغزو تشيكوسلوفاكيا في
ذلك الوقت.
شخصية نيكولاس وينتون الاقتصادي المميز ذو الأيادي البيضاء قام ممثل شاب بدوره بفترة الشباب "جوني فلين"، ونراه عندما وصل لسن الكهولة وقد قام به المميز "أنتوني هوبكنز" الذي قام بالاحتفاظ بأسماء الاطفال وبياناتهم كأرشيف شخصي له، متسائلاً عن مصيرهم يغلفه احساس بالقهر على الدفعة التي لم يستطع تهريبها، ومع ذلك لم توافق الصحافة المحلية بالبداية على الاهتمام بهذا الموضوع، ولكن عندما استضافه برنامج شهير تحت اسم" هذه الحياة" وتحدث عن الموضوع أثار ضجة كبرى خصوصاً عندما أعدت صاحبة البرنامج التلفزيوني لقاء له مع ذات الاطفال الذين كبروا وهم يبحثون عن منقذهم.
ليس غريباً أن يلهب مشهد الأطفال المعرضين للموت بأشنع الطرق البربرية مشاعر المشاهدين ومشاعر كل من يشاهد العمل، لتتلخص مقولة الفيلم في الروح العالية لمتطوعين منقذين لأناس لا يعرفونهم ومجهولين كلية لديهم، يكفي أن يكونوا بشراً ليساهموا في رفع الظلم والحيف عنهم، بسؤال يكبر عالياً لماذا يتعاطف ويساعد أناس لا ينتمي إليهم؟ لتكون إجابة الفيلم "من أنقذ حياة واحدة فكأنه أنقذ العالم"، ويكون فعل البطولة لأناس عاديين غير واعين لأهمية إقدامهم وشجاعتهم دون انتظار أن يرد جميلهم أحد.
الغريب أن أوروبا كلها عانت من النازية، فلماذا يتم التركيز فقط على ضحايا الهولوكوست، من المؤكد أن الدعاية الصهيونية تحاول استثمارها لكسب تعاطف العالم مع وجودها غير الشرعي محملة إياه عقدة الذنب عما قاموا به من تقصير في حق الشعب اليهودي، رغم أن تلك المحرقة مدعومة بالقوانين والتشريعات والتهديد بالعقوبة والتجريم بالسجن والغرامة لكل من تسول له نفسه التشكيك بحدوثها لذا تعمل جاهدة على إعادة إحياء الهولوكوست بعد أن خف بريقه نظراً للسياسة التدميرية التي تنتهجها قوات الاحتلال في فلسطين، غير أن الأمر الذي يستدعي السؤال ماذا عن المحرقة، التي تنهض الآن أمام أعين البشرية هل تتجزأ الانسانية ..هل نتفاعل مع حادثة حدثت منذ أكثر من ثمانين سنة ونغمض العين عما يجري الآن؟.
تظهر الروح الإنسانية العالية لمساعدة اللاجئين والهاربين من الموت حيث جمعت الأموال والتبرعات من المقتدرين وقام قسم آخر بتوثيق أسماء الأطفال وعائلاتهم والعمل على تأمين موافقات الجهات الحكومية في المملكة المتحدة لاستقبالهم بروح انسانية عالية عكستها الحواريات المتداولة
إذ كيف ينجو الاطفال من برد الشتاء، أين منهم من لم ينجُ من القصف والبرد والجوع مجتمعين مع فارق صغير أنه يجري تحت أنظار العالم المتحضر، أو بالأحرى الذي يدعي التحضر، لا نستغرب إذ أن وراء الإنتاج السينمائي تقف جهات ممولة تخضع للعقل السياسي المدبر لإعادة التذكير بالمظلومية اليهودية والهولوكوست اليهودي والتعتيم على الحدث المتفجر عندنا.