أحمد عبد الحسين
اليوم ذكرى أكثر الوقائع إيلاماً في تاريخ العراق. ذكرى احتلال الإرهابيين للموصل الحبيبة التي انطلقوا منها لاحتلال مناطق أخرى وبسط ظلهم الأسود على رقعة كبيرة من خارطة وطننا.
لم يكن الأمر مباغتاً، ولم يظهر هذا التنظيم المجرم في ليلة احتلال الموصل، كان ينمو ببطء وبعمقٍ في الثغرات التي كنّا نخلقها نحن، في الخلاف السياسيّ المتصاعد والمحموم، وفي الحفر الكبيرة التي كان يصنعها الخطاب الطائفيّ لسياسيين ومحللين مثيري فتن ومعتاشين على الأزمات.
كانت الغالبية الغالبة من الساسة منشغلة بمستقبلها الشخصي ومراكمة الأموال حين طاف شبح الإرهابيين مهدداً وجود العراق كله. ولولا الفتوى العظيمة التي أتت من النجف الأشرف مستنهضة شباب العراق وشيوخه، ولولا الدم الطاهر الذي سُفك من خيرة أبنائنا في الجيش والحشد الشعبيّ والشرطة والبيشمركة وحشد العشائر لكان العالم الآن يتعامل مع دولة براية سوداء مظلمة تحكم بين النهرين وربما بلداناً أخرى مجاورة.
كانت الاستجابة الحقيقية تجاه هذا الخطر الوجودي الداهم إنما أتت من المرجعية ومن بسطاء العراقيين الذين يضعون أيديهم على قلوبهم خوفاً على عراق لم يمنحهم ولم يمنح آباءهم سوى الفقر وحب الوطن. أما استجابة السياسيين فكانت هي المفاجأة، كان أغلبهم لا يعرف ما يجري، لم تكن لهم أفهام يتوقعون بها ما سيحدث، ولم تكن لهم همّة ليردّوا أذى أو يبعدوا خطراً أو يستنفروا الناس للدفاع عن وطنهم. كانت قلوب هؤلاء ـ ولم تزل ـ معلّقة في مكان آخر، حدوده وجودهم الشخصي ومصالحهم الحزبية وإن توسعتْ فستشمل حدودهم الطائفية لا أكثر.
في تلك الليلة السوداء وما تلاها كاد العراق يضيع، لولا أبنائنا وأخوتنا الذين ضحوا بأرواحهم آلافاً تلو آلاف بعد أن نبهتهم صيحة النجف إلى مقدار الخطر الداهم الذي هدد قلب العراق.
واليوم إذ يعاد بناء الموصل وأخواتها، كما أعيد لها الأمن وغسلت المدن العراقية وجهها من دنس عتاة الإرهابيين، وتحركت في العراق كله عجلة إعمار وبناء، فإن من الواجب استذكار تلك الأرواح المضيئة التي جعلت هذا اليوم ممكناً. نستذكر شهداءنا الأبرار عارفين أنّ بهم وحدهم بقي العراق عراقاً.