جعفر عبد الامير لبجة
يسعى الباحث والصحافي طه خضير الربيعي إلى ضبط المواد الأرشيفيّة للفنانة الراحلة زهور حسين، في محاولة لرصد سيرتها الفنيّة من وجهة نظر توثيقية، محيطاً بجوانب حياتها المختلفة سواء الشخصيّة منها أو العامة، في كتابه (زهور حسين صوت من ذاكرة التاريخ )، لتقديم كتاب وثائقي عنها يؤرخ ويؤرشف مسيرتها الفنيّة وتطورها والتبدلات التي طرأت عليها.
إلى جانب علاقاتها مع فناني وفنانات عصرها من مطربين ومطربات وملحنين، حيث يناقش الباحث في مقدمة الكتاب، الصادر عن دار الفؤاد للطباعة والنشر في القاهرة 2024 ، سبب اختياره لزهور حسين وسعيه إلى الكتابة عن حياتها وتوثيقها، وذلك إثر دافعين، الأول شخصي كون صوتها بنظره من الأصوات المؤثرة في بداية الاربعينات وما بعدها من القرن العشرين، إلى جانب غياب المواد الدقيقة عن حياتها في الصحافة أو الكتب، فتاريخ ميلادها مثلاً ما زال موضع شكّ، ويرجح الربيعي أنها ولدت سنة 1918 معتمدا في ذلك على بطاقتها الشخصية وذلك بالمقارنة مع الأحداث المرتبطة مع ولادتها والتي لا شكّ في صحتها.
والدافع الثاني كون الفنانة الراحلة زهور حسين هي بنت مدينته كربلاء، وهذا ما لا يعرفه الكثير من المحبين والمتابعين لصوتها.
لما كانت تتمتع به من طابع خاص في طريقة الأداء الفني ظلت تنتقل من جيل إلى جيل، ومن عصر إلى عصر وبطريقتها هذه أصبحت ابرز علامة على امتداد أكثر من نصف قرن.
تعد رائدة في الغناء الشعبي، وانتاجاتها بصورة عامة كانت رصينة، امتزج عقلها مع قلبها لتعبر ببساطة عن هموم المجتمع في حقبة انتصاف القرن العشرين حيث كان المجتمع يعاني ما يعانيه من أمراض اجتماعية عديدة. وخنقته تقاليد اجتماعية كانت معقدة وجافة في الكثير منها، فقد غنت هذه المطربة الكثير من الأغاني القديمة والجديدة نسبة لحقبتها التي عاشت بها، وامتازت أغانيها بخصوصية إقليمية بغدادية، اذ انها ترعرعت في بغداد ممتلكة مميزات البيئة البغدادية، وقد عاصرت موسيقيين ومطربين أفذاذا، أمثال جميل بشير وعباس جميل ورضا علي
وغيرهم.
نجحت زهور حسين في تزويد العالم بخيال وعاطفة بواسطة أسلوب أدائي فني عفوي في الغناء، فقد كانت لغتها مليئة بالحزن والشجن والخيال والعاطفة والعذاب، وهي مازالت حية.
نشأت زهور حسين وسط بيت احترف أفراده الندب وقراءة القصائد، التي تستدر البكاء في المناسبات الدينية والأحزان. وفي هذا البيت داعبت أذنها الأنغام من النغم الحسيني، ليكتشفها الملحن عباس جميل ويدخلها عالم الغناء، وهي في سن مبكرة، حيث ألهبت مشاعر المستمعين بغنائها وسذاجتها الطفوليّة في بعض الأحيان وصوتها الريفي ذي البحة
الجميلة..
يرسم الباحث ملامح السنوات الأخيرة من حياة الفنانة، التي أنهكتها وفاة والدتها وسجن حبيبها، والتي بسببه فقدت حياتها نتيجة انقلاب سيارتها (فولكس واگن) موديل 1956، وهي في طريقها لزيارته في سجن الديوانية، وقد نتج عن الحادث عن وفاة من كان معها في السيارة، واصابت المطربة زهور حسين بإصابات
بليغة نقلت على اثرها إلى مستشفى الحلة بعد الحادث مباشرة، ورقدت هناك عشرة أيام، وهي غائبة الوعي وكانت في صحة يرثى لها. وبعد مرور تسعة ايام فارقت الحياة صبيحة يوم 24 / 12 / 1964 وانطوت صفحاتها، ودفنت في النجف الأشرف وقبرها لا يزال حتى الآن زاره الباحث عدة مرات.