كيف تبدو رسائل تهاني الأعياد والمناسبات؟

منصة 2024/06/13
...

 صدام الزيدي


في ظل طفرة التكنولوجيا والانفتاح على نوافذ التواصل في عالم افتراضي يصير يومًا عن يوم بديلا لواقع ملغم بالحروب والكوارث والمجاعات، تتصحر اللغة تحت طائلة إمكانية نشر مترامية توفرها المنصات، ومن ثمَّ تتنامى ظاهرة الإسراف في الكلام المقولب والعبارات الجاهزة والاقتباسات، لا سيما في مناسبات الأعياد الدينيَّة ورأس السنة الميلاديَّة.. فإلى أي مدى تسهم المنصات في تكريس ثقافة تقوم على تبذير الكلام وتعميمه في قوالب شحيحة المشاعر وفاقدة للمعنى؟، وكيف يتفاعل الأدباء والكتاب مع منشورات ورسائل قد لا ترضي الكل، خاصة أن معظمها {مأثورات، أدعية، ابتهالات}، وعبارة عن {نسخ لصق}؟، وماذا عن التهاني المبتكرة والمغايرة ولا تشبه غيرها، والتي تتقاطع مع القولبة وتعزز من حرارة المعايدة النابعة من القلب؟.

يقول الشاعر اللبناني شوقي بزيع، إنّه "من الصعب أن ننظر إلى منصات التواصل الاجتماعي بوصفها حالة ايجابيَّة أو سلبيَّة، بل هي حمّالة أوجه ككل الكشوف العلمية والتكنولوجية التي توصلت إليها البشريَّة في القرن المنصرم".

وتابع: سأبدأ بالنقطة الإيجابيّة، حيث أتاحت منصات التواصل للبشر جميعًا أن يتباروا فوق ساحة اللغة التي باتت فعلًا ميدانًا هائلًا أو برج بابلٍ جديد لكل الراغبين في أن يعبّروا عن أنفسهم وأن يتواصلوا مع الآخرين، وهو ما حقق ما يمكن تسميته بنجومية المهمشين الذين لم تكن لهم منابر ولا أصوات ولا قدرة على التواصل مع الآخرين، ولذلك فاللغة بهذا المعنى هي الرابحة أولًا وأخيرًا، لأن حقل اللغة يتسع وسيتمّ إثراؤه بشكل متواصل من قبل بعض الموهوبين الذين لم نكن نستطيع أن نتواصل معهم خارج هذه الأدوات.

أما عن السلبيّة فيوضح: أنّها سقوط الحائط العالي الذي كان لا بدَّ من تجاوزه لكي يتواصل الإنسان مع الآخرين، أو لكي يعبر عن نفسه على المستوى الفني والإبداعي، من السهل على الجميع الإدعاء بأنّهم باتوا داخل بستان الشعر وحديقته، وخاصة في ظل غياب النقد وتراجع الصحافة، فهذا الأمر خلق نوعًا من التسيّب والفوضى الشاملين، ولكن، كما قلت، هناك حالات خاصة وبارزة متميزة تلمع في سماء صفحات التواصل وتفاجئنا دائمًا بالمدهش والجديد.

ويعتقد بزيغ أنَّ التهنئة بالأعياد والمناسبات، ليست أساسًا في وسائل التواصل، هي تعتمد على المجاملات والواجبات الاجتماعية المتبادلة، "وقلّ أن تحمل مستوىً عاليًا أو نتوقع منها إضافات مدهشة إلى ما نعرفه سابقًا، لذلك لا أقيم لها وزنًا وإن كانت لا تخلو أحيانًا من بعض اللمعات العالية والمفاجآت وبخاصة عندما تكون بين أصدقاء حميمين ومكتوبة من القلب، خاصة وأنك تتحدث عن أن معظم النصوص تعوزها الحرارة والدفء وأنها تشكو من البرود، وهذا يعتمد على نمط العلاقة بين الأشخاص إما أن تكون الرسائل نمطية ومكررة ومستهلكة ويسطو بعضها على بعض، أو تعتمد أحيانًا على اللُّمع واللُّقى العالية تبعًا لشخصية المرسل وموهبته".

ويقول عن الرسائل التي تردني من أشخاص معينين أعرف بعضهم ولا أعرف البعض الآخر، فليس لديّ الوقت للإجابة عن مجملها، أحيانًا أجيب فقط الأصدقاء الذين يهمني أمرهم، وأحيانًا لا أجيب، بصرف النظر عمّا يسببه ذلك من حزن أو غضب بالنسبة للآخرين، لأني لا أجيد الوقت على الإطلاق وإن كانت ليست كثيرة جدًا لأنَّ الشاعر ليس كالمطرب أو الممثل ولذلك هو يتلقى في حدود الممكن وفي إطار النخب الثقافيَّة التي تهتمُّ غالبًا بنصوصه وكتاباته.

ويرى أنَّ البديل هو أن نركز على نصوصنا، على أن ننشر أحيانًا قصائدنا، شرط أن تكون منشورة في دوريات أخرى لأنّه ممكن يتم السطو عليها والتلاعب بتواريخها وما سوى ذلك، فأنا لا أنشر نصًا جديدًا على "الفيسبوك" بل أنشر القصائد القديمة في الأعمّ الغالب.

أما الناقد والأكاديمي اليمني عبد الحميد الحسامي فيرى أنَّ التهنئة فعل نفسي بالدرجة الأولى من شخص لشخص آخر بينهما علاقة إيجابيّة، وتستدعي ذلك مناسبات معينة تتوافق عليها المجتمعات، فقد تقتضيها المناسبات الدينيّة، أو المناسبات الاجتماعيّة، وتأخذ هذه التهنئة أشكالًا مختلفة فقد تكون بسلوك أدائي، أو لغوي، كتابي- أو صوتي- أو أيقوني بصري.

ويقول إنَّ "التقنية تأتي لتمنح رسائل التهاني إمكانات وصول أسرع، ولعدد أوسع، فبنقرة زر يمكنك أن ترسل رسائل إلى آلاف المتابعين، تهنئة واحدة للجميع، أو عددًا منها مشفوعة بتشكيلات بصريّة مغرية، أو مقاطع صوتيّة، وتحمل طابعًا قد يشف عن روح المرسل، وطبيعة اختياراته،  من بين الرسائل والرموز والأيقونات البصريَّة، التي لا تخلو في كثير من الأحيان من أبعاد سياسية، أو أيديولوجية ...إلخ".

ويتابعك قد يضطر لجلبها من هذا الفضاء الرقمي الواسع الذي يعج بكثير من الرسائل المصممة بما لها وما عليها.

ويشير الى أن الرسائل العامة بلا روح، هي نمطيّة يغلب عليها التكرار، تشعرني ببرودة قاتلة، وتحيل إلى زمن تحجّرت فيها المشاعر، وأصبحت الرسائل لا تحمل روح صاحبها، بل هي نتاج المصمم، وهذا المصمم، أو الكاتب لم يعش اللحظة الشعوريّة الخاصة التي ينبغي للمرسل الحقيقي أن يعيشها لحظة مخاطبته للآخر الذي يبتغي تهنئته.

ويضيف الحسامي أنَّ "خطاب التهاني اليوم تقني وليس روحيًا، هو معمَّم وليس خاصًا، يخلو من توهّج الروح، وحرارة الكلمة، خطاب ماتت فيه الكلمات، وفقدت إحساسها، وفقدت خصوصيّة اللحظة، خطاب كسول، بل ميت لا حياة فيه".

ويتابع: على المستوى الشخصي أصبحت أنفر منه، ولا أطيقه، فضلًا عن أن أرد على سيل مكرور من الرسائل تتدفق عليك في ليلة المناسبة، وتملأ فضاءك بما ترغب وبما لا ترغب، كما أني في الوقت نفسه أشعر بالحرج، من عدم الرد، ويصبح المرء في حيرة بين أن يجاري هذا العالم التقني برسالة تقنية باردة، ويقذفها في الفضاء الرقمي كما جاءت إليه؛ فيعزز من موت الأحاسيس، أو أن يتحسس من يرغب في تهنئته برسالة خاصة دافئة بالمشاعر، أو أن يلوذ بالصمت، الذي قد يجني عليه شيئًا من العتاب.

وتقول الروائيّة التونسيّة فتحية دبش: كما زحفت منصات التواصل على التواصل المادي فعوضت الزيارات العائلية والاتصالات الهاتفيّة والرسائل الورقيّة، زحفت أيضًا على التعابير وصيغ المعايدات. هذا ما نلاحظه كلما جاء عيد أو مناسبة.

صار عددٌ لا بأس به من الرسائل والمعايدات جاهز للاستهلاك فاكتفى المتعايدون باستعارة رسائل باردة وبطاقات مصممة تصلح للجميع كما لا تصلح لأحد. 

وترى أنّه رغم محاولات استعادتها من العموميّة إلى الخصوصيّة بإضافة الأسماء وصورهم إلّا أن الطابع العام بقي مهيمنًا عليها حتى أنها خلقت مسافة جديدة بين المتعايدين أنفسهم.

وتتابع: ما يجدر ذكره في هذا الصدد هو ما لها من تأثير سلبي على ملكة التعبير واجتراح لغة خصوصيّة تحافظ على حيوية العلاقة الخاصة بين الأطراف، كما وأسهمت في تحويل وجهة المعايدة كفعل رمزي يراد به الحفاظ على الروابط الإنسانيّة إلى فعل آلي جاف لا حياة فيها مهما حاول أصحابه النفخ فيه من 

أرواحهم.

وتعتقد دبش أن أهمية رسائل المعايدة لا تكمن في جودة الاقتباسات المختارة ولا الرسوم التي تزين البطاقات بأبهى الألوان وإنما في صدق الكلمات وإن قلّ عددها وفي خصوصيّة العبارات وإن بدت تقليدية ومتداولة.

أما الشاعر إبراهيم المصري، فيقول: ليس من النادرِ في مناسبات الأعياد، كعيدي الفطر والأضحى مثلًا، أن تجد على "الفيسبوك" شخصًا يشكو كثافة التهنئة بعبارات مكررة، بوصفها جامدة الأسلوب ومعتادة، وكأنَّها شيءٌ ما نسحبه من على الرَّف لاستخدامه، ثم إعادته كما هو لمناسبةٍ مقبلة.

ويضيف أنَّ عبارات التهاني لا تعدو كونها نسخًا للواقع، حيث في تلك المناسبات يكرر الناس عبارات نمطيّة واحدة، هي نوع من التوافق الثقافي العام لشعبٍ من الشعوب، حتى أنَّ بعض الصيغ قد تستفز مصريين على سبيل المثال، لأنَّها لا تتوافق مع ما اعتادوا عليه، فالمصريون لا يقولون "عساكم من عوَّاده، أو مبارك رمضان" وإنّما يقولون "بعودة الأيام أو رمضان كريم" وهكذا.

ويرى أن الأمر ذاته ينطبق على الأدعية والابتهالات ويوم الجمعة "جمعة مباركة"، وإن كان من ملمح أساسي في كل هذا، فإنَّه تعميم روتين له طابع ديني في الغالب، بغض النظر عمَّا إذا كان يتعارض مع ثقافات الشعوب الدينيّة أو لا يتعارض، وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في إشاعة هذا التعميم، بحيث يتداوله الجميع.