كيف بدت علاقة السرد بالدراما المرئيَّة والمسموعة؟

ثقافة 2024/06/23
...

  النجف: محمد إسماعيل

احتضنت النجف مدينة الإمام علي {عليه السلام} المشتغلين في القص والدراما، أدباء وفنانين، في مؤتمر القصة الخامس، الذي أقامه فرع اتحاد الأدباء في النجف، بحضور رئيس اتحاد الأدباء في العراق علي الفواز، مكرساً محوره لـ {علاقة السرد القصصي بالدراما العراقية} وبرعاية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ودعم وزارة الثقافة والمقر العام لاتحاد الأدباء، على مدى يومين.  

وألقى مستشار رئاسة الوزراء لشؤون الثقافة الشاعر د. عارف الساعدي، في الافتتاح الذي أداره الزميل حسن مجيد من شبكة الإعلام العراقي كلمة رئيس الوزراء، ناقلاً تحيات دولته وهو يتابع نشاطات الاتحاد الممتدة على طول خارطة العراق من زاخو إلى الفاو، بتنوع تأملي مدروس عالي الجودة من أدب وفن، كما قال: عني اتحاد الأدباء بتحولات الإبداع، ومؤتمر القصة الذي يجمعنا الآن، مؤتمر تخصصي يناقش جماليات الإشكال الذي ينتظم الورقة والشاشة مثل خرزات مسبحة، بين يدي مجتمع واعٍ متطلع إلى ثقافة رصينة، مؤكداً أن الفنانين والأدباء، يتماهون في مؤتمر يشكل حسنة أقدم عليها فرع اتحاد الأدباء في النجف، خالقاً خلطة جادة في حقوله وتوصياته تزامناً مع دعوة رئيس الوزراء إلى مبادرة دعم الدراما، وستعلن الأعمال المدرجة على جدول هذه المبادرة، لنكون إزاء مئات الحكايات في بلد يغص بالغريب من الأحداث التي تحتاج إلى ما يوثقها تأبيداً، فالسرديات هي التي حفظت ويلات الحرب ووثقت مآسيها.


سبائك لغويَّة

وقال أمين عام الاتحاد الشاعر د. عمر السراي: تتحول اللغة في أفواه المهتمين إلى سبائك تفخر بالإمام علي "عليه السلام" سيد البلاغة، إنها النهر والبحر الذي يقف سوراً يحرس سور مدينة النجف، مضيفاً: يأتي ملتقى القصة الخامس توجهاً يقع في صميم أدباء هذه المدينة.

ولفت إلى أن المؤتمر يمثل الوقفة السابعة لأدباء العراق في 2024 الذي اكتظ بفعاليات اتحاد الأدباء التي تملأ الآفاق نوراً قبل أن يتخطى العام نصفه.

وتحدث رئيس الهيئة الإدارية لفرع اتحاد الأدباء في النجف محمود جاسم عثمان النعيمي قائلاً: بسرور تضيف النجف جمعكم، حيث دأب الفرع على صناعة المهرجانات النوعية، منوهاً إلى أن الحركة الفنية العراقية، مارست دورها في العشرينيات مسرحياً بالتزامن مع القصاصين الرواد الذين تفاعلوا مع المسرح والتلفزيون والسينما، التي تحققت من خلال صور نابعة من السرد المكتوب.

وأشار إلى أن هذا المؤتمر يؤكد علاقة القصة بالدراما المرئية والمسموعة، فالنص سواء أ كان مقروءاً أم مصوراً يجب أن يتماهى مع الحداثة، وتلك مهمة هذا المؤتمر، إلى جانب التأكيد على ثقافة الوعي المرن تنقلاً بين الأنماط الجمالية.


نسقٌ روائي

أولى جلسات المؤتمر التي أدارها د. صباح عباس عنوز، ود. عماد الحيدري مقرراً، تحدث فيها أ. د. عقيل مهدي عن: النسق الروائي وعلاقته بالدراما المسرحية.  

وتابع د. مهدي: حاول عبد الرحمن منيف، في روايته "الأشجار واغتيال مرزوق" 1973 التي دافع فيها عن خلق مجتمع أكثر حرية وعدالة، مشيراً إلى أنها: نص يحاكي واقع مجتمع، محولاً السرديات إلى نسيج شعبي يستحضر ماديات البناء الإنساني ويضيئه قيمياً في نماذج شاخصة أمام المتفرجين، بمعنى ما مدون بين صفحات الرواية لا يميزه عن المسلسل التلفزيوني أو الإذاعي سوى حلول كاميرا تستخرج الشخصيات من بين السطور لتلتقطها جنساً فنياً أمام الكاميرا أو على خشبة المسرح.

وتناول في بعض من ورقته البحثية إمكانية أن تصبح (الرواية)، (عينّة) صالحة للعرض المسرحي، تخص الرؤية الاخراجية، بتكييف السرديات وتحولها إلى فرجة مسرحية، وخطة معاشة، مع جمهور شعبي وردود أفعاله، تجاه ما يعانيه من معضلات سياسية واجتماعية وثقافية قائمة؟

وقال: في المسرح يعاد تركيب السرد والتوصيف إلى تشخيص ومعايشة في بنية الزمان والمكان بأسلوب فني توظف فيه حوارات درامية، مرئية ومسموعة، من خلال سياقات مشاهد العرض، والحضور المادي للممثلين، والمناظر المسرحية وبتوظيف جمالي للموسيقى، والاضاءة، وخطاب قيمي، وتربوي رفيع، ووضعها شاخصة أمام المتفرجين، بشكل معاش ومباشر، وبذلك تصبح الرواية جنساً مسرحياً، بتحولها من الانفصال المكتوب إلى الاتصال المسرحي، في دراما تعيد بناء الوصف إلى شخصيات حيّة، متحركة، متباينة في طباعها وأمزجتها، مقدمة إلى الجمهور بالأفعال والأحداث والمواقف المتأزمة، بحبكة منظّمة وهي تظهر شخصيات تنطق بكلام خاص يناسب ظروفها، الاجتماعية، والثقافية والطبقية.

وبينت سيدة المسرح العراقي د. عواطف نعيم كيف أن الفن يستوعب القصة والرواية برغم اختلاف القصة التي تروي الحدث اليومي والرواية التي تستحضر الماضي، يجمعهما السرد.

وقالت: إن السرد حديث فردي يجمع المعلوم والمتخيل، فالعروض تقدم متعة الرواية، وتعاد صياغة المعرفة ونشاطات العقل من خلالها، الإنتاج ليس مغايرة فقط إنما توجد أسباب تقدم الفكرة القصصية بمشاهدة مسرحية أو تلفزيونية من خلال تناص ذكي.

من جهته قال السيناريست د. سلام حربة كانت الثقافة تتلقى سابقاً عن طريق الورقة، والآن عن طريق السوشيال ميديا".  

أما د. سافرة ناجي فتناولت "شعرية النص وسؤال التأويل"، وقالت: تتميز النجف بكونها دينية ومدينة، ما يغدق زخماً متدفق الرؤى، وذكرت: الكون جملة سردية كبرى في سؤال الفلسفة والعلم، مكملة: السرد يقوم على ذاتين، الساردة والمسرود لها.

ورجحت: الشعرية كما عرفها جيرار جينيه، هي: البحث عن معنى المقولة السردية بفعل حي على المسرح أو القراءة في القصة والسرد؛ لذا فالسرد المسرحي ذاكرة المستقبل والرواية عودة إلى الماضي.

وأشارت إلى أن السرد المسرحي يرفض التشخيص الوصفي للفعل المسرحي، لأنه نص غائب تشكله الفرضية الجمالية للخطاب المسرحي الذي تعيد ترسيماته السردية قراءة المتلقي له. 

وهذه الصفة التي ينفرد بها الخطاب المسرحي ذات التكرار الغيابي تمنحه فاعلية التحول الدلالي.

"فالسرد المسرحي ابتداءً هو الفعل الذي يمارسه أشخاص بعلاقات منسوجة درامياً على وفق منطق بنائها، لذلك يمثل السرد في الخطاب المسرحي بفعل القراءة التخيلية التي تجسد فكرة اللعب، وفقاً لضوابط الخطاب المسرحي الجمالية"، وهذا الضبط الجمالي تكون مخرجاته تبعاً لقراءة المتلقي التأويلية، لأن القراءة السردية المسرحية غير معنية بالكشف او البرهنة عن فرضيتها الجمالية.

لهذا يفترق السرد المسرحي عن غيره من السرديات المجاورة له.


صناعة البطل في الدراما 

أما الجلسة الثانية التي ترأسها أ. د. أحمد الظفيري، وقرر لها د. كاظم عبد الله عنوز، حاضر فيها د. محمود الحياني، متسائلاً: هل ثمة فرق بين الصورتين الأدب والسينما؟

هل تجاوزت الصورة السينمائية أخطاء أفلاطون وسواه ممن نظروا للدراما فلسفياً؛ لأن الكلمة التي قدمها الفلاسفة تجزأت بين صورة وتصور، محولين الزمان المجرد إلى مرئي محسوس، مع حساب النفسي والموضوعي، وتحول الصورة إلى ذاكرة المادة وتواجد الإنسان في الزمن الماضي أو المستقبلي من خلال الصورة، وبهذا جعلوا الفعل صورة، مختتماً محاضرته بسؤال ترك إجابته للمداخلين الذين يعقّبون على المحاضرات.

وألمح د. علاء كريم، في محاضرته "فاعلية السرد القصصي في بناء الدرامي" إلى أن هناك جدلاً في البناء الدرامي للسرد القصصي في البناء الدرامي للنص المسرحي، العرض قصة مكتوبة، تجسد على الخشبة بأداء ممثل خاضع لرؤى المخرج؛ كي يتحول المكتوب إلى مادة مشهودة.

كما وكشف عبر ورقته البحثية فاعلية السرد القصصي في البناء الدرامي للنص المسرحي. وتناول "بنية النص السردي" التي تعتمد سرد الأحداث ونقلها باستعمال اللغة أو التصوير أو غيرها من وسائل التعبير، وكذلك "السرد القصصي درامياً في النص المسرحي" لما شكله من بنى درامية في النص المسرحي، وأيضاً "تحولات السرد الدرامي في العرض المرئي".

من جهته، تحدث القاص ميثم الخزرجي عن "إشكالية البطل في النص التلفزيوني": صناعة البطل في البنية الدرامية، تحتفظ بالنسق المنعكس على المنظومة القيمية، مستطرداً: شعوب عرفت أزياؤها ولهجتها وتعاملها مع الآخر، من خلال الدراما التي تهيئ البطل بحيادية وليس سوبرماناً بالتركيز على ما يعزز الشخصية وبناء مشهد خال من الترقيع، اكتفاءً بالبطل المركزي.

وأشار الخزرجي عبر ورقته النقدية إلى الأعمال العظيمة التي قدمتها الشاشتان الصغيرة والكبيرة على مدار مدة التأسيس إلى يومنا هذا، وإلى الدور الفاعل الذي يقدمه الفن على المستوى الإنساني والقيمي بالنهوض بوعي الشعوب وإعطائه حصانة معرفية. 

كما وتناول هذه الصناعة وكيف من المفترض أن تمرر لنا عبر رواشح نقدية مهنية، مع الاحتفاظ بعنصر التشويق والإثارة اللذين دأبت عليهما الذهنية الأدبية، غير أن هذا التشويق من المفترض أن يكون غير مجاني، أما بخصوص الإثارة فمن الواجب أن لا تصبح سائبة ومنزاحة عن الواقع بمراحل كبيرة وصادمة، فما الداعي أن يكون البطلُ نحيل القوام وله المقدرة على الإطاحة بكل مَن هب ودب وهنا إشارة إلى مراجعة عملية خلق الأبطال من لدن الكاتب، وثمة إحالة إلى صناعة الطراز أو النموذج، أو أن تكون سعة التشويق غير مقننة بحسب معيار السبب والنتيجة لتندرج في إطار الخيال غير المدروس.  

وأكد بقوله: لعلي أجد أن مجتمعاتنا مُررت عليها كثيراً من هذه الأعمال ورُوّج لها وشاع سوُقها في حينها بسبب موهبة الممثل الذي وقع عليه الاختيار، أن كان كوميدياً أو تراجيدياً، ليعطي للدور حقه من الناحية الفنية بعيداً عن معمارية المشهد وهاجسهِ العام فيكون الاهتمام بالبطل الدرامي نفسه.

في المقابل، ارتجل الروائي شوقي كريم، محاضرته "الفهم الدرامي للسردية" وتحدث عن التلفزيون والمسرح والإذاعة وخيانة النص الأدبي، والعمل في الإذاعة على تحويل السرد إلى مسكوت.

بنك قصصي لتمويل الدراما 

عقدت الجلسة الثالثة برئاسة د. عبد الله الجنابي، ود. مصعب مكي زبيبة، مقرراً، واستهلها د. سعد عزيز عبد الصاحب بمحاضرة وسمت بـ "الحكاية الشعبية وتحولاتها التراجيدية في المسرح المعاصر.. ألف ليلة وليلة أنموذجاً": انطلاقاً من التراث والمعاصرة وجد الباحثون العرب سهولة في استلال مسرحيات من ألف ليلة وليلة؛ لتوفر الحوار والتشويق والتدرج المحكم في ترتب الحكبة وطغيان التلاحق، مستفيضاً: الليالي جانب جمالي يؤصل الأفكار، مستشهداً بعمل له استقاه من ألف ليلة وليلة. وتناول القاص فائز ناصر كنعان حوار الصورة في منظومة التلقي، في مؤتمر القصة العراقية الخامس، الذي يتخذ من علاقة السرد القصصي بالدراما العراقية، محوراً له، ذا جنبة تهدف إلى ترتيب العلاقة بين القاص والإنتاج، داعياً إلى ترتيب أقسام السينما في المحافل النظرية والميدانية التي تعيش عشوائية أفكار مظلومية نقدية للقصة؛ لذا اقترح انشاء بنك قصصي لتمويل الدراما.

وحاضر مدير الدراما في شبكة الإعلام العراقي الزميل وديع نادر عن دور القصة والرواية في صناعة السيناريو، التمثيلية اكتشاف عراقي خالص، وكذلك الثلاثية والرباعية والخماسية والسباعية؛ لذا تهتم مديرية الدراما، بإعادة أثر التمثيلية إلى جانب المسلسل.

وعلق المخرج رضا المحمداوي عبر ورقته البحثية عن "العلاقة بين السرد القصصي والدراما" وقال إن: بواكير قراءاتي القصصية في مجموعة سعد البزاز "طيور البحر" مستلاً من بين نصوصها "حب في هواء فاسد" التي قدمت تمثيلية من تلفزيون جمهورية العراق، القناة (9) ومنها بدأ شغفي بالنص معززاً هذا الشغف بالكتابة النقدية بدءاً من العام 1983 وتوالت التمثيليات الإذاعية والتلفزيونية المأخوذة من قصص أدبية، مثل "غبار الطلع" للقاص موسى كريدي، التي أعدها بنجاح الفنان محمود أبو العباس"، مشيراً إلى أن السينما المصرية واكبت الإبداع الأدبي درامياً.

بينما أثنى على إفادة الفنان بدري حسون فريد، من الأدب الأميركي، بأعمال تلفزيونية وإذاعية رائعة، قائلاً: لكن ظلت النتاجات التلفزيونية العراقية تفتقر للطبيعة الاجتماعية المحلية، لذلك لم تغرِ المشاهد العراقي بالإقبال عليها، متوجهاً إلى الدراما المصرية والسورية بالدرجة الثانية، وهذا نابع من كسل السيناريست العراقي عن القراءة.

وأكد د. سعد دعيبل أن مفردات الحياة المدونة في الدراما تنطلق من العنف الأسري، في حين الدراما الغربية تعاطت مع مجمل ميادين الحياة.

واختتم المؤتمر بالتكريمات والبيان الختامي الذي رفع مجموعة من توصيات إلى رئاسة الوزراء والجهات المعنية بشؤون الإنتاج الدرامي؛ للارتقاء بواقع الفن العراقي.