ميتافيزيقا الهُويَّة

ثقافة 2024/06/23
...

  محمدحسين الرفاعي


[1]

نفهم الإنسان ميتافيزيقيَّاً من جهة كونه هُويَّةً، على هدي التَّساؤل عن مفهوم الوجود المجتمعيّ الذي له؛ كما يمكن أن نتساءَل عن الإنسان أنطولوجيَّاً، من جهة الوجود الأكثر عمقًا الذي من شأنه، عبرَ تحريك التَّساؤل عن الذَّات مأخوذةً كفعل، وإمكاناته / ـها في الخارج. وهكذا، متى قام التَّساؤل الجديد عن الإنسان، من منظار العالَميَّة، والمجتمعيَّة، إنما علينا أن نتوقف عند محطات ثلاث على أقل تقدير: مفهوم الهُويَّة، ومفهوم المؤسسة المجتمعيَّة، ومفهوم التذوُّت المجتمعيّ. إذن ماذا نعني حينما نريد أن نفهم الإنسان بوصفه هُويَّة؟

[2]

إنَّ الإنسانَ، على الأرجح، ومن جهة ما اختُصَّ به، يتوفَّر على نزعة نحو أن يعرف ذاته من خلال الهُويَّة؛ لكن ليس ذلك فحسب. بل أنه يتوفَّر على ضروب إمكان إعادة تعيين الهُويَّة بما يتعلَّق بتوسُّطِ الوعي: وعي الذَّات بوصفه قابلية عقلية، أو وظيفة العقل الحديث (ما قَبلَ السايبر).

[3]

وهكذا، متى فُهم الإنسان من جهة [التعدُّد- في- الفهم] الذي يقوِّمُ الاتجاهات والمدارس والتوجُّهات الفكريَّة في حقول الفهم الخاصَّة بالفلسفة، وتلك التي تتعلَّق بعلوم المجتمع والإنسان، الحديثة وما بعد الحديثة؛ فسوف نكون مباشرةً أمام أربعة مستويات علينا أن نلج إليها عبرَ التَّساؤل عن مفهوم الهُويَّة، في تواشج بنيوي مع ضروب التذوُّت التي للإنسان، من ذاك النوع من [التعالق- مع- ...]، الذي يفتح إمكانات الإنوجاد المجتمعيّ على نحو جديد، في كلِّ مرَّةٍ. تتمثَّل هذه المستويات في [الـ- ميتا- هُويَّة]، ومصادر الهُويَّة، ومعايير الهُويَّة في تحديد [الوجود- نحو- الخارج]، والهُويَّة مأخوذةً كحقول وجودية- مجتمعيَّة. 

[4]

متى تساءلنا عن الإنسان من جهة كونه كائنًا متوفِّرًا على إمكان الوعي بذاته، في ما هي، وفي كيف هي، وحينما تندرج الفاعليَّات التي للإنسان ضمن مستويات وجوده الأربعة المختلفة، والمتمايزة حدَّ الصراع- التكامل بينها، أي المستوى الأعم، والعام، والخاص، والأخص؛ نكون أمام حركة الفكر من السطح إلى العمق على نحو الحركة من الأعم إلى الأخص. 

[5]

إنَّ ما اختُصَّ به الإنسان، في كل الأحايين، إنما هو العقل مأخوذًا كفاعلية [الإدراك- والفهم- والوعي]. ومن جهة ما هو كائن [متجاوز- لـ -...]، أي قادرٌ على أن يتجاوز المستويات المختلفة التي للفهم، وما يضعه هذا الأخير فيها من مفاهيم وعلاقات مفاهيم بعينها، فإنَّ للإنسان، على الأرجح، متى أُخِذَ على أنه مدفوعٌ نحو الترانسندنتالية، أي [الـ - ما- فوق- تعيُّنيَّة]، فإنَّهُ يتشكَّلُ، في لحظة أولى، ويتفاعلُ، في لحظة ثانية، ويُؤخَذُ، في لحظة ثالثة، ويتصيَّرُ، في لحظة رابعة. 

[6]

إنَّ اللحظات الأنطولوجية هذه، من حيثُ أن الإنسان [كائنٌ- مما- فوق- الهُويَّة]، أوَّلاً وفوقَ كُلِّ شيءٍ، أي هو كائنٌ قادر على، أو يتوفَّر على جملة الإمكانات في أن يكون قادرًا على أن يتجاوز التعيُّن، وضروبه، ومعاييره، فإنَّها تتمثَّلُ في ضروب الحُرِّيَّة، والحَذَر- الشكِّ، والانفتاح، والتصيُّر بمعنى البناء وإعادة البناء. أن [بعد- الهُويَّة] بوصفه نمطَ وجود خاصّ بالإنسان، و[قَبلَ- الهُويَّة] بوصفه نمط وجود خاصّ بالذات، وما بينهما، يشكِّلان الإنسان في ضروب تصيُّرٍ ديالكتيكية؛ لكن أيضًا بواسطة [النَّظَر- إلى- الداخل]. لا يقوم النَّظَرُ هذا على أن الإنسان كائن مأخوذٌ بذاته، في ضروب ثرثرة تنتجها الفردانية والأنانية، والذاتيَّة في المعنى السطحي الذي من شأنها، بل هو النَّظَرُ إلى أن الإنسان كائنٌ بنَّاءٌ- صانعٌ في ذاتِ نفسه العميقة. 

[7]

ومن أجل ذلك، نحن معشر [الإنسان- بعامَّةٍ] لا نكون إلاَّ بعد أن نكون كائنات [ميتا- هَوَوِيَّة]؛ أي مما قَبلَ التعيُّن. وحينما نشير إلى التعالق، بوصفه ضروب بناء العلاقات، العلاقات المجتمعيَّة القائمة على [النموذج- المثال Ideal-Type] الذي للإنسان بوصفه فعلاً، فإننا في الحقيقة نشير إلى ما بعد التعيُّن، ولكن في طريق مؤجَّلةٍ إلى التَّتِمة. إنها، خلافًا لما يُتصوَّر ليست تَتمَّةً مجتمعيَّة فحسبُ؛ بل هي ضروب التكامل التي للإنسان في كونه يتشكَّل ويتشظَّى في ذاتِ نفسه العميقة. ولكن، من أجل أن ثَمَّةَ ترانسندنتالية، على الدوام، وعلى نحو قبلي دائماً قَبْلِيَّاً، تسبق كل ضروب الديالكتيك، صارت [الـ - ميتا- هُويَّة]، وكانت. ولأنَّ التكامل ضربٌ من ضروب الذِّهاب نحو الخارج، صارت الإمكانات الموضوعيَّة، أي الاحتمالات المتوفِّرة في [الوجود- في- المجتمعيّ] وعبره، تقوم على ثُنائيَّة [القبول- والرفض]. أن يقبل الإنسان بأن يذهب إلى الخارج، في إمكان تكامله، وأن يبقى الإنسان في الداخل، رافضًا الذِّهاب نحو الخارج، في إمكان تناقصه.