المدلول التاريخي لتسمية العراق

ثقافة 2024/06/23
...

  شاكر الغزي 

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي: العراق شاطئ البحر، وسمي العراق عراقاً لأنه على شاطئ دجلة والفرات مداً حتى يتصل بالبحر. وذكر الآثاري هرتسفِلد أن عراق معرّب من كلمة إيراك الفارسية التي تعني البلاد السفلى. وقيل لفظة عراق سومرية مشتقة من كلمة أوروك (Uruk) وتعني المستوطن. وأول استعمال تاريخي لكلمة عراق ــ بحسب أومستد ــ ورد في وثيقة من العهد الكيشي (بحدود 1200 ق.م) ولكن بصيغة (أَريقا) التي صارت فيما بعد الاسم العربي لبلاد بابل.

أما كلمة العراق فبدأ استعمالها في الشعر الجاهلي ما بين القرنين الخامس والسادس الميلاديين في أواخر العهد الساساني. 

قديماً، لم تكن هناك تسمية موحّدة لكلّ العراق الحالي؛ إذ شاع في عصر فجر السلالات ــ الألف الثالث قبل الميلاد ــ نظام الحكم المعروف بدولة المدينة (city-state) فكلّ حاكم سومريّ كان يلقب نفسه بحاكم المدينة التي هي مركز دُويلته، مثل: حاكم لگش، وحاكم أور. أما آخر حكّام هذا العصر، لوگال زاگيزي، فلقّب نفسه ملك الإقليم. وبعد ذلك العصر، ظهر مصطلحان جغرافيان، أحدهما ماتُ شومِريِم أي بلاد سومر (بالسومرية: ki-en-gi)، والآخر ماتُ أكاديِم أي بلاد أكاد (بالسومرية: ki-uri)، ولا توجد حدود طبيعية واضحة تفصل بين سومر وأكاد، غير أن اسم بلاد سومر كان يطلق على القسم الجنوبي من السهل الرسوبي، أي من جنوب الحلة إلى الخليج، أما بلاد أكاد فتطلق على وسط ذلك السهل، من حدود بغداد إلى جنوب الحلة. وأشهر مدن بلاد سومر هي نيپور، وتقع في أقصى الحد الشمالي من بلاد سومر، وهي مدينة نفّر الحالية التابعة لقضاء عفك في الديوانية. 

وفي بدايات عصر سلالة أور الثالثة (2112 ــ 2004 ق.م) استعمل ملك الوركاء أوتوحيگال لقب ملك سومر وأكاد. كما ظهرت تسميات أخرى مثل بلاد بابل، وبلاد آشور. وفي منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، أطلق الملوك الكِيشّيون على بلاد سومر وأكاد مصطلح كار دُنياش، أي بلاد دُنياش، وهو أشهر آلهتهم. 

واستعمل المؤرخ الإغريقيّ هيرودوتس تسميتي بابيلونيا (Babylonia) أي بلاد بابل لجنوب العراق، وأَسِّريا (Assyria) أي بلاد آشور لوسط العراق. كما أطلق بعض كُتّاب اليونان والرومان تسمية كالديا (Kaldyia) أي بلاد الكلدانيين على ما كان يعرف ببلاد سومر وأكاد، والتي أَطلقتْ عليها التوراة ــ ثُمَّ المؤرِّخون والبُلْدانيُّون العرب ــ تسمية إقليم بابل أو أرض بابل.

وفي زمنٍ ما، بين القرنين الرابع والثاني قبل الميلاد، استعمل كتاب اليونان والرومان المصطلح الجغرافي ميسوبوتامْيا (Mesopotamia) أي بلاد ما بين النهرين، وهي التسمية التي شاع استعمالها عند الكتاب الأوروبيين لاحقاً. ويعتقد أن هذه التسمية هي الترجمة اليونانية للمصطلح التوراتي آرام نهرايم. وبعد ترجمة التوراة اليونانية إلى اللغات الأوروبية، دخلتها هذه التسمية.

وكان العرب يطلقون تسمية العراق على الأقسام الوسطى والجنوبية من العراق الحالي، أما الأقسام الشمالية فكانوا يسمّونها الجزيرة، والحدُّ الفاصل بين الجزيرة والعراق هو الخطّ المارّ من الأنبار على الفرات إلى تكريت على دجلة، على أن تكريت والأنبار كانتا داخلتين في العراق. ثمّ توسّع الجغرافيون في مدلول تسمية العراق فصارت تشمل الجزيرة والقسم الجنوبي ودخلت ضمنه البلاد الواقعة ما بين الموصل وعبادان طولاً إلى عُذيب القادسية غرباً وإلى حلوان شرقاً. 

وكانوا أحياناً يقولون العراق العربي تمييزاً له عن عراق العجم وهي التسمية التي كانت تطلق على الجزء الجنوبي من إيران الحالية. كما أطلقوا تسمية السواد على منطقة السهل الرسوبي لخضرته بالنخيل والأشجار، وكانت العرب تسمّي الأخضر أسود. على أن مصطلح بلاد السواد كان يرادف ــ في كثير من الاستعمالات ــ تسمية العراق. وبحسب العلامة الرُّحَيباني أنهم سمّوه سواداً؛ لأنه تاخم جزيرة العرب التي لا زرع فيها ولا شجر، فكانوا إذا خرجوا من أرضهم إليه بدت لهم خضرة الزروع والأشجار.