ا.د. عامر صباح المرزوك
تسعى دراسة {البنيوية التكوينية في النص المسرحي العراقي} لعبد الجبار حسن عيسى إلى استقراء البنيوية التكوينية بوصفها أفقاً يساعد على مواصلة تعميق أسس الأدب والنقد بارتباطها مع الأسئلة الضرورية الملحة، بعيداً عن الاختزال وعن تكرارية الخطاب الأيديولوجي المبدئي.
فالبنيوية التكوينية فلسفة متكاملة ذات منظور نقدي يتجاوز سلبية النقد إلى استشراف إيجابية تنسجها الجدلية القائمة بين الذات والموضوع، تلك الجدلية الممثلة لجوهر كل علم تكويني ومنها "النص المسرحي"، فداخل كل بنية توجد بذرة نافية لها، بذرة تؤشر على ما ستكونه، أي ستؤسس بنيات جديدة، وتلغي البنيات القائمة.
كما تنطلق البنيوية التكوينية بوصفها كلية الظواهر وترابطها، فتنطلق من نقد الواقع القائم الناقص من زاوية استحضار ما يتكون عبر الجدلية المحايثة، تحدد الإجراءات التكوينية في مجموعة من الأدوات والمبادئ التي تنطق على جميع الأجناس الأدبية ومنها النصوص المسرحية، وإذ تعتمد على أدوات إجرائية تصب اهتمامها على دراسة البنية الفكرية والمجتمعية للنص المسرحي، لغرض الكشف عن درجة تمثل النصوص المسرحية لفكرة المجموعة الاجتماعية، التي ينتمي لها كاتب النص المسرحي. اهتمت البنية التكوينية ببنية النص المسرحي وعلافتها المجتمعية التي تنضج وتعبر عبر رؤية العالم ليست كوقائع شخصية، بل هي وقائع اجتماعية يبسطها الكتاب عبر نصه، وتستجيب بصورة واضحة لبنية إحدى الإيديولوجيات، أو الطبقات الاجتماعية الموجودة في الواقع بالضرورة، لذا تسعى البنيوية التكوينية إلى إعادة الاعتبار للعمل الأدبي والفكري معاً، دون أن نفصله عن علاقته بالمنهج التاريخي، وعن جدلية التفاعل الكامنة وراء استمرار الحياة وتجددها. وقد كتب الدكتور ثائر بهاء كاظم مقدمة للكتاب جاء منها: "ومن هنا وجد الكاتب ضرورة لدراسة البنيوية التكوينية وأدواتها الإجرائية وكيفية اشتغالها وتطبيقاتها على "النص المسرحي" دراسة تحليلية لغرض الوقوف على مفاصل تشكيل النص المسرحي من خلال بنيته الفكرية والمجتمعية لتحقيق المسار المعرفي في شقيه الجمالي والنقدي".
واتخذ المؤلف نماذج تحليلية من النصوص المسرحية العراقية المعاصرة، فدرس مسرحية "ثمة من يلوح في الأفق" للكاتب مثال غازي 2007، ومسرحية "ما كان وما دار بين ملك وما طار" تأليف عمار نعمة جابر 2011، ومسرحية "افواه" تأليف عبد الحسين ماهود 2013. وتوصل المؤلف إلى مجموعة من النتائج المهمة في بحثه، ففي رؤية العالم جاءت حركة الزمن "المسرحية" مضمرة وظاهرة في الوقت نفسه، مضمرة مادية، وظاهرة في الروح والذهن والجسد على الدوام من خلال رؤية الشخصيات المسرحية لتلك الرؤية، والتي جسدتها بنية النص المسرحي وفق توافقات تكاملية بين رؤية العالم وبين حقيقة الواقع المعيش كما في مسرحية "ثمة من يلوح في الأفق"، في حين اختلفت رؤية العالم في مسرحية "ما كان وما دار" والتي بدت ومنذ الوهلة الأولى لولوج النص، فكانت رؤية فردية متشددة أكثر مما هي مجتمعية شاملة، بينما في مسرحية "افواه" نجد انسجام النزعات الواقعية والعاطفية والثقافية، لأعضاء مجموعة "طبقة اجتماعية" موحدة في رؤيتهم للعالم.
والحق يقال إن هذا الجهد البحثي هو جديد في بابه، من خلال دراسة النص المسرحي وعلاقته بالنقد وتحديداً بآليات البنيوية التكوينية كمنهج نقدي، وأن هذا الكتاب في أصله رسالة ماجستير أعدها الباحث في تخصص الأدب والنقد المسرحي، ونوقشت في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد عام 2015، فكل التوفيق للباحث لما سعى واجتهد في هذا الكتاب.