علي حمود الحسن
حينما دعاني المخرج الشاب صفاء جواد إلى حفلة تخرجه من معهد الفنون الجميلة ومشاهدة فيلمه المعنون " صفاء" غمرني شعور بالسعادة والرضا، وتذكرت يوم استشارني هذا الزميل العصامي، بدخول معهد الفنون الجميلة، قبل سنوات، شجعته وآزرته فأبلى بلاءً حسنا وتخرج بمعدل "جيد جدا"، وكانت أطروحة تخرجه فيلما يحكي قصة حياته، التي كان فخورا بها إلى حد انه أطلق اسمه " صفاء" على الفيلم..
و"صفاء" فيلم روائي قصير تمتد أحداثه منذ بدايات الثمانينيات، وحتى العام 2020، نفذه المخرج صفاء جواد الذي كتب السيناريو له ايضا، بسرد خطي بلا مفاجآت، ولا تنقلات حادة بالزمن، اذ استعان بعنوانات مكتوبة للتعبير عن تغير الزمن، ومثل معظم افلام أطاريح التخرج، ثمة تقشف وفقر بالإنتاج، وإن حافظ صفاء وبشكل دقيق على الإكسسوارات، التي تشير إلى مرحلة الثمانينيات وبعدها التسعينيات، وصولا إلى العام 2003، ثم تنقلنا احداث الفيلم إلى العقدين الأخيرين من القرن الحالي، قدم الممثلون أداءً معقولا، لا سيما الأب (حسن الشيخ)، والطفل الذي جسد شخصية صفاء في طفولته (ثروت)، وكذلك الام (جسدتها شهد فاروق)، الذي لم ينجح المخرج من خلال الماكير أن يظهر تحولات الزمن على وجهها.. أدار ممثلوه بنجاح، وهذا ما انعكس على أدائهم، الذي بدا طبيعيا غير متكلف، من جهة أخرى قدم منتظر حافظ، الذي جسد شخصية صفاء شابا اداءً متوازنا طبيعيا،
وكل هذا لم يكن يحدث لولا فريق العمل الفني من كادر تصوير واضاءة، قد يؤخذ على الفيلم افتقار كوادره إلى الروح، فنحن إزاء احداث منعزلة عن حضانتها، لكن هذا مقبول في تجارب الشباب الأولى، نظرا لفقر الإنتاج ومحدوديته.
يحكي الفيلم الذي اعتمد على تقسيم سرد الاحداث حسب تسلسلها الزمني، اذ نرى زوجين سعيدين فرحين، باقتراب ميلاد طفلهما اللذين يقترحان تسميته صفاء، ليكون صالحا للوليد أنثى أم ذكرا، فالأب على وشك الالتحاق بجبهة الحرب المشتعلة، كان ذلك في العام 1982، ننتقل إلى العام 1992لنرى ذات العائلة، وقد كبر الطفل الذي يعمل " دوارا" واتشحت الأم بالسواد، فنفهم أن الأب مفقود في إحدى معارك حرب الثماني السنوات الرهيبة، الابن الذي تحمل المسؤولية مبكرا، زمن الحصار القاسي، وتعرض إلى التنمر والمهانة من الأولاد، يفتقد أباه دائما، ويصل إلى مرحلة اليأس من عودته، لكن الأم التي أحنت ماكنة الخياطة ظهرها، لا تفقد الأمل بعودته، وفعلا يعود الأب من الأسر وتنقلب أحوال الاسرة رأسا على عقب، اذ يعمل الأب على تعديل مسيرة صفاء، ويحثه على مواصلة دراسته، وفعلا يدخل الجامعة ويقترب من تحقيق حلم أبيه، إلا أن انفجارا غادرا في العام 2017، ينهي حياة هذا الأب سيئ الحظ، لتبدأ معاناة أخرى، وحزن آخر يجتاح صفاء الذي ضاق طعم الأبوة، واقترب من نيل شهادته، لتنتهي احداث الفيلم ونحن نرى صفاء يحتضن قبر أبيه وهو يصرخ باكيا: " هذه شهادة تخرجي ياأبي فنم قرير العين" .. هذه الاحداث الحزينة والمؤلمة هي بالضبط ما حصل للشاب صفاء جواد الذي أهدى شهادة تخرجه وفيلمه
إلى أبيه.