د.سلامة الصالحي
الكتابة عن الأشجار والزراعة الصحية في العراق أمر ذو شجون وألم، ونحن نرى تزايداً غير ملحوظ في قطع الأشجار وتجريف البساتين، وإقامة مجمعات سكنية بعد حرق رؤوس أشجار النخيل وغاباتها واستغلال الأرض مجاناً، من قبل مستثمرين لبناء مجمعات سكنية غالية الثمن ولا تخدم الفقراء وغير المقتدرين.
إذ إزيلت بساتين برمتها، في كل مناطق البلاد نتيجة الزيادة السكانية والهجرة من الريف للمدن بسبب تراجع الزراعة وهيمنة المنتوج المستورد على المنتوج المحلي وغيابه بشكل فج ومثير للاستغراب وعدم تعويضها بزراعة وتوسعة الأراضي واستغلال المياه بطرق حديثة ومتطورة، بما يعوض ما جرف أو ما بني من كتل إسمنتية وحديدية تزيد من درجة الحرارة المستعرة في المدن وتزيد بدورها درجة التلوث الخانق وسحب العوادم التي تحدثها السيارات التي تموج كالبحار في مدن البلاد والتي تستورد يومياً وهذا أيضاً يعود إلى تخلف في وسائط النقل وعشوائية وأمام تناقص وإنقراض المساحات الخضراء والتي بدأت ولن تنتهي تحت مسميات الاستثمار والبناء العشوائي الذي لايراعي تغيرات البيئة ودمارها عبر إهمال أهم ما يمس صحة الإنسان ووجوده وهي الزراعة.
إضافة إلى زيادة أعداد مطاعم المندي وشوي الأسماك التي أدت إلى الطلب على الأشجار وجذوعها، ليتم حرقها لأجل هذه المطاعم والأكلات الدخيلة التي تستهلك موارد البيئة وتؤذي الهواء فيها من خلال الأدخنة ومخلفات الحرق. وتؤثر عملية قطع الأشجار على صحة الناس وهواء المدن الذي تضخ له المساحات الخضراء الاوكسجين وتسحب من هوائه الملوث ثاني اوكسيد الكاربون والمواد السامة وتخزنها في أوراقها وأغصانها. بيئة العراق في خطر ومناخه معرض كل سنة إلى زيادات غير مسبوقة في درجة الحرارة، وأيضاً تناقص وانقراض نباتاته النادرة وحيواناته التي تجد في البساتين والأشجار مأوى لها أسهم التجريف وقطع الأشجار في تقليل أعدادها وتعرضها للانقراض. وتشهد الزراعة ومشاريعها إهمالاً واضحاً في المدن من قبل البلديات ومؤسسات الزراعة المعنية في الأمر، فمن زراعة الأشجار الضارة للمياه الجوفية مثل الكابرس واهمال زراعة الأشجار الملائمة لبيئة العراق إلى إهمال واضح وصريح وهم يتركون الجزرات الوسطية وقد زرعت بشكل بدائي يفتقد للرعاية اليومية والجمالية، ما يجعل الشوارع تبدو بأسوأ حالاتها، كأننا عدنا بالتخلف المديني سنين طويلة. بدأ استهلاك الأشجار وبشكل جائر وبلا ضمير منذ غياب القانون والانفلات الذي جعل الناس تستخدم الأشجار العملاقة من داخل المدن في الوقود وهذا يعد جريمة بحد ذاته. بينما تشهد لجان الزراعة وبأعلى المستويات إهمالاً كبيراً، وتوقفاً عن أي مبادرة في تقديم مشروع وطني لتسوير المدن بالغابات عبر حزام أخضر وإجبار الناس على زراعة الأرصفة أمام بيوتهم وتشجير شرفات العمارات السكنية من أجل بيئة صحية صالحة للحياة. ويتطلب هذا حملة حكومية وشعبية مدعومة مادياً وأمنياً وقانونياً من خلال تشريعات قانونية تحمي الزراعة وتطورها وعناية متواصلة تحت بنود قانونية تمنع منعاً مؤكداً من الاعتداء على الأشجار وحرقها لأغراض المطاعم وإجبار المستثمرين الذين قاموا ببناء الكتل الاسمنتية في تشجير العمارات والشرفات وزراعة ما حولها بأشجار عملاقة وجلب آخر ما توصل إليه علم المياه في استغلالها وتقنين هدرها الذي نراه أمام أعيننا بضياع كميات هائلة من المياه الواردة إلينا. تنفع الأشجار في صد الأتربة وامتصاص السموم والعوادم وحجب الشمس الحارقة وطرح الاوكسجين الضروري جداً في خفض درجة الحرارة، وكذلك تقوم المساحات الخضراء بجذب الأمطار وتثبيت التربة واستهلاك المياه الزائدة لمنع انجراف التربة وهشاشتها وبالنتيجة حماية الإنسان والأرض والحيوان من الانقراض والأذى والمضاعفات الصحية. ونناشد رئيس الوزراء المهندس الزراعي محمد السوداني بتبني مشروع عملاق للتشجير وزراعة الغابات من أشجار نخيل وزيتون وأثل وغيرها لحماية أرض العراق من التصحر وانهيار درجات الحرارة ووصولها إلى مستويات خطيرة تؤثر في حياة الإنسان وبقية الكائنات...والله من وراء القصد.