أسعد عباس.. فوارق الأداء والاختيار

ثقافة 2024/07/01
...

 زهير الجبوري 


للتشكيلي أسعد عباس تجربة لها أسلوبها المتفرد، فهو من قلّة الفنانين الذين يمتلكون تحولاً في الأسلوب والأداء والتنوع، على الرغم من قناعة العديد من متابعي التشكيل العراقي يعدهُ فنانا يتعامل مع الطبيعة بتفرد، غير إنّي شاهدت ولمست في تجاربه السابقة ومشاركاته في المعارض، ما يؤكد تنوعه في الموضوعات التشكيلية، ومع كلّ ذلك فنحن سنشير في مقالنا ما قدمه من تجربة تناغمت مع الطبيعة ومع الأشياء المحيطة بها، كذلك بعض الأماكن التي تلامس واقعنا المكاني/ البيئي وما تحمله من أعراف وتقاليد، لذا كانت هذه السمة أكثر تقرباً للمتلقي، ربما لأن الذائقة العامة تجعله في دوامة الخوض في هذا الجانب من ممارسته في عالم اللوحة التشكيلية.

أسعد عباس، مُذْ عرفته ولحد اللّحظة التي أتحدث بها عن تجربته، قد كانت له مسحة خاصة في تقديم لوحاته، إذ تتخذ النماذج المتناولة طابع الحياة الملوسة التي نعيشها بتفاصيل حسية وبأجواء غير غريبة علينا، فالإتقان في جعل كلّ لوحة ذات خصائص ملفتة للنظر، هو الجانب التقني الذي عُرف فيه، بمعنى ثمّة تقنية لونية وضربات مؤثرة تستدعي الآخر الوقوف عندها، ومن خلال ذلك نمسك في أعماله ما يجعلنا أكثر انتباهة في التعبير على موضوعته وأسلوبه الخاص، ولعلنا في ذلك ندرك مدى التحديق للطبيعة والأمكنة المحيطة به، وهي من فطنة الفنان في التقاط الأشياء التي لها اشارة في واقعنا الحياتي وفي مدركاتنا اليومية.

تعطينا أعمال الفنان فعل الديمومة في الحياة، لأنها باختصار تُنَمي احساسنا في الوجود، فالطبيعة وما تحمله من فضاءات مفتوحة، هي قراءة لعلامات متوالدة ومألوفة، وغير مرهقة عند الآخرين، ولكننا حين نمعن النظر، نمسك المهارة اللونية التي اشتغل عليها الفنان على قدر كبير من التوظيف المتناسق، بخاصة إذا ما علمنا أن عالم الطبيعة هو عالم متراكم من الألوان التي تبدو للوهلة الأولى ألوان صريحة غير أنها نتاج هائل من التراكيب التي يشير إليها اصحاب الاختصاص من «الظل.. والضوء.. والعتمة» ومراحل الأوقات «صباحا.. وضحى.. وظهرا.. وليلا»، هذه المقاسات يدركها الفنان ويخلق منها طبيعة الّلون وكيميائيته، ومن جهة أخرى هناك أداء تنسيقي حاضر في عالم الطبيعة، الاّ وهو طبيعة الأشجار أو المزروعات الأخرى وما تحمله من تكوين «مورفولوجي» يجمع كلّ المتناقضات ويعطي شكلا جماليا خاصاً، الفنان أسعد عباس، حذق جداً ويدرك مدى أهمية هذه التراكيب ليعطي لنا «منظراً طبيعياً» أو «منظراً مكانياً شعبياً»، أو أي عمل يدور في الموضوع ذاته. 

البيئة لها اشتراطات دقيقة في التعامل معها فنياً، ولها مدركات يعرفها كل فنان له عمق في ذلك، أو داخل في تفاصيلها والعيش فيها، وهنا لا بد أنْ تكون دقائق العمل الفني أكثر حبكة كي تخرج إلى المتلقي بجمالية خاصة، وكما يبدو أن الفنان أحاط بهذه الأشياء وقدمها بمهارة الأسلوب وتقنيته، وهو أمر طبيعي جدا، فكل الأشياء المحيطة بنا نمارسها في حياتنا، فمناغمة الطبيعة وكشف تفاصيلها وثيماتها المترابطة بها تعد من بديهيات كل فنان، لكن الفوارق في الأداء واختيار المناظر وما يحيطها أو يدخل بها أو يعيشها، هي الفاصل

في ذلك. 

الفنان يدخل في بعض الأحيان إلى القضايا المثارة في الشارع وما تتعامل به الناس من طقوس وشعائر دينية أو أحداث سياسية أو ما شابه، ليصبح من خلال مشروعه أو لوحاته الجزء المؤثر، كونه ابن واقع ولديه قضية، لذا هو يعبر عن حقيقة انتمائه لهذا الواقع، فمشهدية الأشياء إنما هي مشروع فني/ تشكيلي بامتياز لديه، ومهما كانت لديه قراءات شاخصة في الواقع المعاش، الاّ أنه يلفت النظر في طريقة أسلوبه، وليس غريبا عليه، فهو يعد من أبرز أبناء جيله الذين درسوا على يد كبار فناني البلد في المرحلة الأكاديمية، ومن جهة أخرى شاهدنا كيفية رسمه في بعض اللوحات  لـ «البورتريت» و «الحصان» و «الموديل»، ما يعطي مفهوما مفاده أن الفنان الذي يمتلك مقومات الفن التشكيلي وأساسياته، له القدرة على العمل في أية موضوعة، وأن الاعتناء بالتراث هو الاعتناء بالأثر الذي أعطى هوية لكل واحد منّا. 

أدرك مدى أهمية الحديث عن تجربة الفنان أسعد عباس، ومدى حضوره في الساحة التشكيلية، ولأنه أعطى إضاءة واضحة وبارزة في تجربته على مستوى ما قدمه من مشاركات عامة أو خاصة، فإن قادم الأيام سيشهد له مزيدا من التواصل وتقديم ما هو جديد ومواكب للحركة التشكيلية.