إعلاناتُ الكتب.. قنواتُ إغراء وإيصال

ثقافة 2024/07/01
...

  عصام كاظم جري 


بلا أدنى شكّ إصدار أي مطبوعِ يُعدُّ ولادةَ جديدةَ، مهما كان حقل وثيمة وصنف هذا الكتاب أدبيّا، ثقافيّا، سياسيّا، تاريخيّا، علميّا متخيلا.. إلخ، والإعلان عنه أمر في غاية الأهمية، لأن هذه الولادة هي صنو الولادات الأخريات. 

بمعنى لا تختلف عن أية ولادة استثنائيّة على هذا الكوكب. 

إن الاحتفاء بولادة الكتب ليس بالأمر الغريب في الإعلام العراقيّ، وإنما الغريب  تغافل بعض الصحف والمجلات الورقيّة والفضائيات إعلان الاحتفاء بالكتب، وبالضَّرورة أن هذا التجاهل لن يكون مبررا بالمطلق.

يعدُّ الكتاب أحد أهم مظاهر النهضة، شأنه في ذلك شأن المطابع العملاقة والجامعات والمعاهد والمدارس والسّينما والمسرح والموسيقى والأوبرا، فضلا عن التّمثيل والتّشكيل والزخرفة وصناعة أسس الجمال والأزياء 

والغناء.. إلخ. 

وبالمجمل لن تنتهي حدود الكتاب في بقعة ما، فهو أحد عوامل النهضة كما ذكرتُ سلفا، ولن تقف أهميته في فكرتِه وطباعتِه واسم المؤلفِ ونوع الورق وعدد الصفحات وعنوان دار الطباعة وغيرها، وإنما تصل حيثياته إلى أوسع من ذلك، حيث تثير أهمية الكتاب عدة تساؤلات: منها كيفية العمل بتجهيز حملات واسعة الترويج والتسويق والنشر والتوزيع، وكيفية عرض الكلمات المؤثرة لتسويقه، فضلا عن كيفية بيعه وجني الأرباح منه ورسم سياسة مغايرة في صناعة إعلانات جذّابة ومقنعة وتصميمات مميزة له في منصات متنوعة ومنها الصحافة الورقية والثقافة المرئية والسمعيّة. 

وحسب التواريخ أن أوّل إعلان موثق عالميّا للتاجر والمترجم الإنجليزي "وليم كاكستون"، وكانت غايتة من هذا الإعلان التّسويق لأحد الكتب بهدف التّشجيع والإغراء، وبأبسط الكلمات إن الكتاب أهم أداة لتنوير العقل البشريّ.

يقينا المهنيّة في العمل الصُحفي تقف في المقدمة، وكلُّ عمل مُنتج وحرفيّ وصناعيّ وتوعويّ بحاجة إلى مسؤوليّة ورعاية واهتمام، والابتعاد عن إهمال أي عمل له أثر كبير بدواعي القديم والجديد والتحوّلات والحداثة والكلاسيكيّة. 

وقد يذهب بعض العاملين في الحقل الصُحفي إن الاحتفاء بنشر الإصدارات صار من الماضي! وربما آمن بعضهم بأننا نعيش الآن في زمن التواصل مع الشبكة العنكبوتية الغنيّة بالمعلوماتيّة، لهذا لابدَّ من تغيير النمط والمفهوم بدوافع التّجديد والتّغيير، وربما يخضع البعض منهم لسياسة هذه الصحيفة أو تلك المجلة بإهمال الترويج والإعلان في تقدّيم الكتاب للقارئ. 

والاستفهامات كثيرة منها؛ هل انتهت صلاحيات الكتب من حياتنا؟

الجواب بالنفي حتما، فما زالتِ القراءة الورقية تتمتع بالتعافي، وربما هناك أسباب أقرب إلى الواقع، مثلا أن بعض العاملين في حقل الصحف والمجلات لا تعنيهم فكرة ولادة الكتب وأهمية تسويقها! 

وبالعموم تبقى كل هذه التساؤلات في حيز الظن والشك واللَبس والاحتمالات الممكنة، وهذه الأسئلة افتراضيّة أطلقُها هنا بغية الوقوف على الأسباب التي من أجلها تم إقصاء وإبعاد منشورات عرض الكتب والإعلان عنها في بعض وسائل الإعلام العراقيّة.

أما الكتب المترجمة، والإعلان عن ترجمة الكتب بشتى أصنافها وعلومها ومعارفها، فقد وقع عليها ظلم الإقصاء من الإعلانات والترويج والنشر في بعض الصحف 

أيضا.

ونستطيع القول: الكتاب والكتاب المترجم كفى بهما يُعدّان  مظهرين من مظاهر النهضة وعواملها الفريدة، ومن يستطيع أن  ينسى ترجمة الكتب الأتية: "الغريب"  ألبير كامو، "الجريمة والعقاب" و "الإخوة كارامازوف" لدوستويفسكي، "المسخ" لكافكا، "هكذا تكلم زرادشت" لنيتشه، "كائن لا تحتمل خفته" لميلان كونديرا؟