الروضة في حياة الطفل

منصة 2024/07/02
...

 علي كاظم داود

لا شكَّ أن مرحلة التعلّم والدراسة في رياض الأطفال هي من العوامل المهمة، التي تساعد بشكل كبير وفاعل، في تنمية القدرات العقليّة والمعرفيّة والدراسيّة والاجتماعيّة لدى الأطفال، قبل دخولهم المدارس الابتدائيّة؛ وذلك لأنّها تقوم بتهيئتهم عقلياً ونفسياً وسلوكياً للانتقال من مرحلة الطفولة المنزليّة إلى مرحلة الدراسة في الصف الأول الابتدائي.
ولا شكّ أنّ حرمان الطفل، لأي سبب كان، من الانخراط في الروضة، سيؤدي به إلى فقدان مورد مهم وأساسي من موارد تكوين شخصيته في المجتمع عندما يكبر، وقد يؤدي إلى تأخره دراسياً، مقارنة بأقرانه الذين دخلوا إلى الروضة، وقد يكون الوالدان أحيانًا هما السبب في حرمان الطفل من هذه الميزة، ربما لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو عائلية تخص الوالدين أو غير ذلك من الاسباب التي تعود بالضرر على الطفل.
إنَّ عدم تقدير بعض الآباء والأمهات ووعيهم بأهمية وضرورة أن يدخلوا أبناءهم الصغار إلى رياض الأطفال، قد تسبب بحرمان أعداد كبيرة من الأطفال من التعلّم الأولي واكتساب المهارات الدراسية والخبرات والتعايش في أجواء خارج أجواء المنزل ومع أشخاص غرباء ليسوا من أفراد الأسرة، هم المعلمون وزملاء الروضة، الأمر الذي يعد نافذة أولى لهم نحو حياة أوسع.
إذ إن البيئة المتاحة للطفل في الروضة، بوصفها بيئة تختلف عن بيئة المنزل، وتتوفر على أسس علمية تناسب أعمار الأطفال الصغار، وتقدم مستوى تعليميَّاً يتوافق مع حدود معرفتهم ووعيهم، ولذلك تعد البيئة الأنسب لتهيئة الاطفال لمستويات دراسية أعلى، ولفتح الأفق أمام أذهانهم لاستقبال المعلومات والتعلّم السريع والتعايش في الأجواء الدراسيّة.
لذلك من الضروري التركيز على مشكلة حرمان الأطفال من الاستفادة وتحقيق المنفعة من الانخراط في الروضة، ودور الأبوين في هذا الحرمان، الأمر الذي قد يؤدي إلى التأخر الدراسي لديهم، وعواقب كل ذلك على حياتهم ومستقبلهم.
أهمية الحديث في هذا الموضوع تنبع من أهمية الفئة الاجتماعية التي يدور حولها، وهم الأطفال، الذين يمثلون الجيل الذي يعول عليه لبناء المستقبل، من خلال تربيتهم وتعليمهم بطرائق سليمة وصحيحة.
ويعد حرمانهم من الالتحاق برياض الاطفال من الأخطاء التي لها أثر سلبي في مسيرتهم الدراسية وقد تؤدي إلى تأخرهم.
إذ إن حرمان الأطفال من ارتياد الرياض من شأنه غيابهم عن الظروف التي تساعدهم في تحسين مستوى التعلّم لديهم، وعدم منحهم خبرات نافعة في هذا المجال، أو إكسابهم سلوكيات تنسجم مع الواقع الدراسي الذي هم مقبلون عليه.
وإذا كان التعلّم يعني تعديل "سلوك الكائن تعديلا يساعده على حل مشكلة صادفته ويرغب في حلها"، فإنّ حرمان الطفل من الاستفادة من الروضة سيجعله يخسر النمو والتطور في الادراك والوعي والتعديل السلوكي الذي يؤهله لحل المشكلات التي تواجهه في جميع مجالات الحياة.
كما أن حرمان الأطفال من الروضة سيفقدهم إمكانية الحصول على تربية حركية وبدنية صحيحة، وهو مما تهدف إليه رياض الأطفال، فمن خلال التربية الحركية يمكن اكساب الأطفال عناصر مهمة في اللياقة البدنية وكذلك اللياقة الصحية، فضلا عن تنمية وتطوير حدود الادراك الحسي والحركي عند الأطفال، واكسابهم مفاهيم وسلوكيات تخص السلامة العامة، فمن الضروري على الطفل "أن يدرك المفاهيم الثقافية المرتبطة بالنشاط البدني، وأهميته من أجل الصحة والوقاية من الأمراض وأهمية الحفاظ على البيئة، والطعام الصحي، والتحكّم في انفعالاته وتوظيفها بشكل ايجابي".
من الآثار السلبية التي قد يؤدي إليها حرمان الطفل من الدخول إلى الروضة التأخر الدراسي، وما يتبعه من آثار قد تقلل من مستوى تعليمه وذكائه الاجتماعي؛ لأن "الطفل الذي يتمتع بالذكاء الاجتماعي لديه درجة عالية من الوعي بذاته والآخرين، والقدرة على التواصل بأشكاله وصوره، وبناء الصداقات المتعددة، وممارسة القيادة في المواقف الطفليّة مع الزملاء، كما أنه مؤكد لذاته ورأيه، ومشاريعه، وهو في النهاية يسلك سلوكاً اجتماعياً لبقاً"، ولذلك نفترض أن افتقار الطفل لهذه المكاسب هو ناتج عن أسباب عديدة ربما من أهمها عدم ارتياد الطفل للروضة.
ربما بات من الضروري التنبيه بشكل مستمر وحثيث على العناية والتأكيد على التحاق الاطفال بالروضة، وحث الوالدين على الحرص أن لا يحرموا ابناءهم من هذه الميزة، فهو حق من حقوق الأطفال على الأبوين لكي ينشأ أبناؤهم نشأة صحيحة ويندمجوا بالمجتمع الصغير الذي توفره الروضة لهم، تمهيداً لاندماجهم في مجتمع أكبر هو المدرسة وما
بعدها.