كنت خلف ذلك الجدار العظيم

ثقافة 2024/07/02
...

 ذو الفقار يوسف

يضع رافد نفسه كل يوم في متاهة مشاعره التي تنغص عليه سعادته، فما أن يسرح بخياله إلا وقد وجد نفسه أمام هذا الكم من الأحاسيس، لم تكن مشاعره فقط، فهو يحمل مشاعر الآخرين من حوله باهتمام مفرط، إحساسه الكبير بالغير يجعله يعاني كلما اختلى بنفسه، يتقن تلك الوسيلة كرسام يشحذ قلمه مرة بعد أخرى، يطلق التساؤلات عن صديق له كان قد اصيب مؤخرا بمرض السكري، آخر وقع في الحب لأول مرة، أخت تحاول جاهدة أن ترضي زوجها المتعكر المزاج بلا سبب، جار خرج من منزله
والحزن يملأ محياه بغير عادته، كل ذلك يحصل بلا هوادة في داخل رافد "أنا اتألم فمن سيشعر بي " يردد ذلك عندما تتعبه تلك الأحاسيس، ولا يستطيع التخلص منها إلا بالنوم، احيانا عندما يكون عصبيا، لا مفر منها، ذلك اليقين الذي يعرفه رافد جيدا، وبالرغم من هذه المعاناة المستمرة إلا أنه في بعض الأحيان يحاول أن يتقبلها، تلك الفكرة بأن يشعر بالآخرين بهذه الطريقة العميقة، أن يعيش مأساة احد ما، يبتهج كلما أغمض عينيه ليكون ذلك الشخص الذي تسلم نتيجة امتحانه محققا النجاح، لكنه ما أن يتعمق ببؤس أحدهم إلا وقد تكور في عالم لا مفر منه من الحزن، قشرة تحمل ملامحه وبداخله ذلك الشخص كله، يحاول أن يعود بإدراجه إلى النقطة الأولى التي جعلته هكذا لكنه لا يستطيع، مراحل وحقب عاصرها كلما عاصر إحساس أحد ما، وهذا ما يجعل الامر يتكرر في داخله، تنعدم ثقته بنفسه، لا يستطيع انجاز أي شيء في حياته، كل تلك الطاقة يهدرها حين يفعل ذلك، حينما يشعر بالآخرين، لا شيء يبقى له، فقط ذلك الإرهاق.
في أحد المرات استطاع الوصول للخلاص، فنبذ نفسه الحساسة، وبقوة كبيرة تمكن من أن يبني جدار عظيم يفصله عن تلك المشاعر، حجر بعد آخر حتى صار ذلك الجدار يلامس السماء، حينها صمت كل شيء بداخله، وعندما حدث ذلك، تسلق رافد الجدار.