سعد الجدّ.. براءة لاختراع حلم

ثقافة 2024/07/03
...

 د. نصير جابر


في لحظات قدريّة مصيريّة - لحظاتٍ ستكون علامة دالّة في سير أصحابها ومفترق طرق ستصل بهم إلى ضفاف مغايرة غير تلك التي قصدوها -  يتوغل في عالم الفن التشكيلي الزاخر من كانوا يظنونه أبعد حيزٍ عن مجال اختصاصاتهم العلمية الصرفة، والدافع -غالبا- هو الحبّ  الخالص والولع النبيل والحقيقي في تجريب مجاهيل هذا العالم المدهش  بألوانه وتدرجاتها  اللانهائية وروائحه الأليفة  الفاغمة وقماشته وقياساته وفضاءاته، ففي هذا الفنّ خلاصة عوالم أخرى قد تبدو بعيدة عنه،  فهناك - وليست هناك أي مبالغةٍ- شيء من الفيزياء والكيمياء والرياضيات والهندسة، فضلا عن اللغة والتأريخ والجغرافيا، في مربّع اللوحة ومنظورها وظلالها وفراغها غير الفارغ  أبدا، وفي المجسمات النحتية والأعمال الخزفية.  

ومن الهندسة الكهربائية تحديدا ولج  سعد الجدّ مجال الفن، إذ تخرج في الجامعة التكنولوجية العام 1981، وهو المولود في أحد  أزقة الحويش -المحلة التراثية العريقة- في النجف العام 1957.

ينطلق سعد من الحلم دائما، وتحديدا الحلم الأنيق المتزن الذي على الرغم من كونه حلما فضفاضا إلاّ إنّه يحدّده بحواف الواقع ومعطياته كي يبقى حلما فاعلا، مُنتجا، فهو صانع عوالم حلمية، العمل الفني لديه هاجس يريد من الآخر أن يعيشه معه، ويقلقه به كما عاش هو القلق ذاته، والمادة الخام هي أساس هذا الحلم، لذا فهي تعني له الكثير فمنها يبدأ تشكيل الرمز وتخليق المعنى وتكثيفه، وبثّ الحياة فيه، ومن هنا حرص على ابتكارها، لأسباب عديدة لعلّ أوّلها: التسويق تلك الضرورة التي تمدّ الفن بأسباب بقائه وديمومته فالوصول إلى أكبر قدر من المتلقين هدف مشروع  لكلّ فنان، وثانيها المتانة التي تعطي العمل قيمة مضاعفة بوصفة تحفة ضد الكسر والتلف، وليس آخرها القدرة على التوظيف والمطاوعة فهو يستعمل الخط العربي مثلا، ليضيف إلى اللغة المرئية لغة أخرى، كما يلجأ  للكثير من التقنيات من أجل إبراز المعنى الذي يريده.  ففي أغلب أعماله نرى الخط ممهورا أما جملا تامة المعنى أو حروفا مقطعة في تشكيلات مؤسّسة لرمزية لذا كان ابتكاره لتقنيه الجلد الصناعي المشغول للفنون التشكيلية - وقد حصل على براءة  اختراع سجّلت في الإمارات العربية المتحدة - حاجة ملحة جعلته يقفز بالابتكار والتصميم  إلى حدود أخرى، إذ صمّم وابتكر أكثر من 750 تصميما أنتِج منها آلاف اللوحات وصلت أنحاء العالم كافة. ومن النخيل وجريده صمّم ونفّذ مجسما لحصان عربي بالحجم الطبيعي وهي المرة الأولى في تأريخ الفن تستعمل هذه المادة لتنفيذ عمل نحتي من هذا النوع ولا يزال الحصان موجودا في مطار دبي  مبنى رقم3 ولأنّه لا يكف عن الحلم ويسعى دائما إلى تحريك ما حوله مع كل الركود والروتين الذي يمكن أن يصادفه فقد أسس ودرّس في المعهد العالي في قصر بن غشير - طرابلس  ليبيا. 

وهو مؤسس ومالك معرض دليل الخليج في الشارقة للفن التشكيلي 1999 ومدير مصنع ومعرض اللوفر للحديد المشغول في مدينة العين - الإمارات 2001 كذلك صمم ونفذ نصبا لمعركة  في ليبيا- طرابلس 1997، وكذلك صمم سياج السلم في مركز الوافي للتسوق في دبي بطول 63 مترا من الحديد المشغول والمطلي بالذهب والمطعم بالخزف، وصمم ونفذ أيضا مجسّم الدرع التذكاري الخاص لديوان وزارة شؤون الرئاسة في أبو ظبي والذي انتجت منه 250 قطعة قدّم إلى الرؤساء وكبار الشخصيات والزائرين، كما أقام عشرات المعارض في العراق وليبيا والإمارات، وهو مهتم وباحث في التاريخ والآثار وبشكل خاص التاريخ العراقي القديم، فضلا عن ذلك فقد أسس مؤخرا "رواق الثقافة والفن" في النجف، وهو الأول من نوعه حيث يمتزج الفن التشكيلي والأدب والشعر والمسرح في فضاء واحد. 

سعد الجد حالم يستحق أن يحلم، وهو في سعي جاد وحثيث إلى ابتكار مواد خام جديدة تأخذ الفن نحو آفاق أجمل.