تناصات خطاب الآخر

ثقافة 2024/07/03
...

  د. سمير الخليل

يتمركز الخطاب الشعري في "هايكو ونصوص شعرية" لعادل غضبان الناصري حول رؤيتين الأولى: تجسدت في مجموعة من النصوص التي يفعل الشاعر فيها توجّهات التناص مع الآخر، وتقديم نصوص يحاكي بها سيرة وإبداع عدد من مشاهير الأدباء والشعراء وأن اختيار "الآخر المبدع" يعبّر عن قصدية خطاب شعري يزاوج بين "البورتريت" وأسلوب مخاطبة يجسد ما هو إنساني ومشترك وتكثيف لتجربة انسانية شفيفة.

أمّا الرؤية الثانية: فتجسّدها مجموعة من نصوص "الهايكو"، وهي ارتحال في مساحات مكتظّة بالمفارقة والاقتراب من هموم الإنسان الوجودية وإثارة أسئلة من خلال هذه الومضات السريعة والمعبرّة عن روح المفارقة وجدل الأضداد على مستوى تكثيف المعنى عبر الإختزال والإيحاء، وممّا يعمّق العلاقة الدلالية بين الرؤيتين "تناصات الآخر" و "نصوص الهايكو"، إنها تتوغّل في عوالم السؤال الشعري لتعبّر عن منظور استبصاري يهدف إلى الكشف والاكتشاف والتعمّق في التفاصيل الموحية وتتحوّل النصوص وفق هذه الدينامية إلى بقع ضوء استكشافي، ولحظة تنوير شعري، وهذا ما يمكن الإستدلال على قصديّة "الكشف" وما انطوت عليه "العتبة" الموسومة بعنوان "شذرة" التي تعدّ من موّجهات القراءة لهذه المجموعة، وهي مقولة لأرشيبالد مكليش: "إنّ الشاعر يتوجّه نحو أشياء العالم، لا لكي يكوّن افكاراً عنها، بل ليكشفها وبذا يكتشف نفسه وهو ينظر إليها". (المجموعة: 5). 

ويصبح المعنى القصدي لهذه المقولة جزءاً من خطاب الشاعر، وقد أقرّ بأنّ النصوص سواء الموجهة إلى الشخصيات أم التقطيع الهايكوي، فهما يعبرّان عن سؤال الشاعر المرتكز على تحقيق الكشف وإضاءة هذه القصديّة، أي أنّه عبرها يحاول اكتشاف العالم، واكتشاف النسغ الوجودي، والاقتراب من سؤال المعنى، وهو أسلوب يزيح به الشاعر ذاته من مركزيّة الإرسال إلى تشظيات الهامش الذي يتحول عبر المعالجة إلى تمركز توالدي يجمع الذات مع الآخر، وصولاً إلى بعد رؤيوي فاعل ومؤثر وبعيد عن تمركز الذات ونرجسيّة التطلع، فهو يبحث من خلال هذه الإحالة والتنوير عن ذاته وعن الآخر وعن السؤال الذي يتطلّب إجابة عبر البوح والإيحاء واستقصاء المعنى. 

تضمّنت تناصات الآخر خطاباً شعريّا "رؤيويّا" موجها ومحاكيا لشخصيات هي: "الرائي: إلى الشاعر سركون بولص"، و "التستري: إلى رجل في قصبة مجوفة اعتركته العصافير جمعة اللامي"، "المتوهج: إلى الشاعر الذي يضيء في عزلته.. اقتضاء الأمكنة به.. فوزي كريم"، "الشاهد: إلى صلاح فائق"، "الأرابخي: إلى جليل القيسي.. في انعكاسات مملكته الضوئية"، "الدرويش.. إلى الساكن في قارّته السابعة.. ذات المجرّات الباردة حسب الشيخ جعفر"، "السرمدي.. صديقي كنعان شيخان". "العنوانات والاهداءات من المجموعة".

ولم تك نصوص "خطاب الآخر" مجرد استعارة عابرة أو تضمين تزييفي بل إنها عبرّت عن رؤية شعرية شفيفة ودالّة، ويمكن أن نجتزئ مقاطع صغيرة من كلّ نص للإستدلال على عمق ودلالة هذه القصديّة وديناميّة الإشتباك مع الآخر عبر وعي الإلتقاطة والسؤال، فالنص الموجّه إلى سركون بولص على وفق استهلال وتضمين لعنوان من إحدى نصوصه: ليست الشجرة/ بل كان دثار أوراقها/ من يغطيني/ أنا (حامل الفانوس في ليل الذئاب)/ تسترخي حولي الأنوار/ كريشة/ تبلّل/ نداوة/ أجنحة (تجرح الهواء). 

(المجموعة: 13). 

تتجلّى في النص رؤية تتعمّق باستحضار شخصيّة الشاعر، وتقترح فضاء يمزج فيه الشاعر تلك الرؤية، ويتشابك مع عدد من قصائده، وهو يكشف وجع الشاعر ومعاناته وتوّهجاته، وهو من النصوص الدالّة والشفيفة، ويمكن الاستدلال على ظاهرة التماهي مع الآخر إلى حد المطابقة في الأجواء والمفردات والصور.