اتحاد الأدباء : يفتحُ جبهاتٍ متصارعة جديدة
صفاء ذياب
أثار البيان الذي أعلنه اتحاد الأدباء والكتاب في العراق بتشكيل لجنة تحقيقية ردود فعل متباينة إلى حدِّ اتهامات كان منها العودة إلى العمل البوليسي، والرقابة التي تحدُّ من حرّية الأديب في طرح ما يراه من آراء خاصة. وكان البيان الذي ينصُّ على:
(استناداً إلى صلاحيات السيدين رئيس الاتحاد والأمين العام وإيعازهما بتشكيل لجنة تحقيق عامّة للنظر في شكاوى الأدباء المتعلّقة بالجانب الأدبي والنشر في مواقع التواصل الاجتماعي وما يُقرأ على المنصّات الثقافية بما يسيء لسمعة الوطن والمساس بالقضايا الوطنية والرمزية، وضبط الإعلام الأدبي وتحقيق ثقافة رصينة لطرح الآراء ومناقشتها، وتتكوّن اللجنة من السادة: د. عمران الخياط، ئاوات حسن أمين، علاء المسعودي، د. نصير لازم، حيان إبراهيم الخياط)..
هذا البيان الذي جعل من ساحة الفيسبوك ساحة للرفض والاستنكار من عدد كبير من الأدباء، إلى درجة أن بعض الأدباء أعلنوا عن إلغاء عضويتهم، لأنّهم رأوا أنَّ فيه ما يقيّد حرّيتهم، في حين رأى آخرون أنَّنا بحاجة للجنة كهذه، في هذا الوقت العصيب... وتحدّث آخرون عن رفضهم للأسماء التي تشكّلت منها اللجنة التحقيقية، موضّحين أنَّهم غير مؤهّلين لعمل كهذا.. غير أنَّ هناك آراء أخرى تشير إلى أنّه ليس من مهام الاتحاد متابعة ما ينشره الأدباء، فهي آراؤهم الخاصة، وما ستفعله هذه اللجنة ستكون نوعاً رقابياً يعيدنا للنظام السابق الذي كان يشكّل لجاناً مثل هذه...
وفي سعينا لنكون منصفين في استطلاع الآراء كلّها، اتصلنا بالسيد رئيس اتحاد الأدباء الناقد علي الفواز، والسيد الأمين العام، الشاعر عمر السراي، غير أنّهما رفضا الادلاء بآرائهما، بحجّة أنَّ سؤالنا غير مهني، كما رفض أدباء آخرون إبداء آرائهم لأنّهم لا يريدون أن يكونوا في الواجهة في تصريحات كهذه:
أقل الخسائر
لم يتمنَّ الشاعر علي النويّر أن يصل الأمر باتحادنا الموقّر إلى تشكيل مثل هذه اللجنة كما لو أنّنا جميعاً، وبلا استثناء، سنكون تحت طائلة ما تقترحه من لوائح وقوانين، ونكون كذلك أهدافاً مؤجّلة لها.
“في ظنّي أنّ ما يصلح في مؤسّسة رسمية يضبط إداءها القانون قد لا يصلح لنخبة نوعية من الأدباء والكتّاب والفنانين يشكّل الهمّ الثقافي والمعرفي ومقترباته البؤرة التي يلتقون عندها، إذ لا مصالح ماديّة ولا أساليب قسرية ولا منافع شخصية تشغلهم عن ذلك”.
ويضيف: الأدباء في العالم كلّه يشكّلون في واقعهم مجتمعاً استثنائيّاً له وضعه الخاص على الرغم من حالة التنافذ بينه وبين المجتمع العام الذي ينتمون إليه.. لهذه الدواعي حسب، كان النويّر يتمنّى لو أنَّ هذه اللجنة الموقّرة التي يحترم أعضاءها بالطبع، قد استعيض عنها بجلسة حوار من قبل الأخ رئيس الاتحاد أو الأخ الأمين العام، أو كليهما، مع الطرف أو الأطراف المعنية بالموضوع، و”أنّني على ثقة بأنّ الأمر سينتهي بأقل الخسائر، ومن دون الحاجة إلى تكبيل ذواتنا، المستفزّة في الأساس، إلى قانون أو عرف لا نعرف مستقبلاً كيف نتخلّص منه”. وكما في الكتابة الإبداعية كذلك في الحياة اليومية، تدعونا الحاجة دائماً إلى استلهام حياة مبدعينا الكبار، فهي درس نوعي في التعامل مع الآخرين قد لا يتكرّر دائماً.
معنى بوليسي
ويؤّكد الشاعر بلاسم الضاحي أنَّه تفاجأ أسوة بكثير من الأدباء وهم يعلّقون على منشور الاتحاد العام للأدباء والكتاب المتضمن تشكيل لجنة تحقيق عامة وهذا عنوان كبير استفزازي يقترب من معنى بوليسي لا يليق بمؤسسة ثقافية لها تاريخ عريق وتنتسب إليها أسماء ذات منجزات إبداعية مهمّة ولها قيمة اعتبارية وصدارة اجتماعية لا يليق أن يخاطبوا بخطاب عنوانه كهذا- لجنة تحقيق عامة- من يحقّق مع من؟؟ أديب يحقّق مع أديب؟ هذه سابقة لم تحدث من قبل حتَّى في اتحادات أخرى غير اتحادنا.
ويعتقد الضاحي أنَّ قراراً كهذا جاء نتيجة لسهولة قبول معظم طلبات الانتماء إليه، واعتماده على الكم على حساب النوع، وبسبب هذا التمدّد غير المدروس بدقّة، لم يعد للاتحاد المركزي القدرة على تصريف أزماته التي تحدث هنا أو هناك لكثرة تكرارها للأسف في الآونة الأخيرة ممَّا أوجب- حسب ما يرى- تشكيل لجنة تحقيقية عامة تحد من إمكانية التمادي في تكرارها، وتنظر في أسباب ونتائج تلك الأزمات، ووضع حلول انضباطية لها.
ويضيف الضاحي: كان يمكن للاتحاد متمثّلاً برئيسه وأمينه العام المحترمين أن يجدا حلولاً أخرى تليق بمقام أدباء العراق أكثر لياقة ودبلوماسية من تسمية لجنة تحقيقية أو كان من الممكن أن توجّه لعقد مؤتمر للهيئة العامة والاستئناس بمقترحاتهم والخروج بنتائج وحلول تليق وترضي الأطراف كلّها بدلاً من خلق أزمة جديدة.
ويتمنّى الضاحي أن يبقى اتحاد الأدباء المدافع الأول عن حرّية الرأي والدفاع عمَّا يطرحه الأدباء من آراء بدلاً من تشكيل لجان تحاسب الأديب على رأي...
انصر أخاك
وبحسب الشاعر ذياب شاهين أنّه لا يمكن تكميم أفواه الأدباء حينما يعبّرون عن آرائهم في الشأن الثقافي والسياسي، لأنَّ الأصل في العمل الثقافي هو استمرارية الجدل الفكري لحفظ الحرّيات الشخصية التي نصَّ عليها الدستور، ولا يمكن للأديب أن ينجز أدباً إذا كان خائفاً من عيون السلطات والقوى المتحكّمة بالمشهدين الثقافي والسياسي، وكلّنا استنكر قتل وتغييب بعض الأدباء قبل عدّة سنوات ورأينا الاتحاد يشجب ويستنكر تلك الأعمال البوليسية، وبرأينا يجب أن يستوعب الاتحاد الانتقادات التي توجّه للهفوات التي تحصل في أثناء عمله، ويعمل على تطويق الخلافات بين أعضائه بالطرق الودّية بعيداً عن اللجان التحقيقية والتأديبية، لأنَّ ذلك سيجبر الأديب على ترك اتحاده الذي انتمى إليه من أجل الدفاع عنه واستجلاب حقوقه بعيداً عن الترهيب، لأنَّ عهدنا بالاتحاد هو ذلك، وكذلك يجب على الأدباء ألاَّ ينقلوا خلافاتهم الشخصية إلى باحة الاتحاد من مبدأ أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فالأدباء يجب أن يتساموا بعيداً عن الخلافات والاهتمام بمشاريعهم الأدبية فهي رسالتهم الأولى والأخيرة فالناس يريدون أدباً يعكس حياتهم وليس خلافات لا تعنيهم.
وسط إشكالوي
وفوجئ الشاعر حسين الهاشمي بكتاب واضح وصريح صادر عن اللجنة الإدارية لاتحاد الأدباء والكتاب، عن تشكيل لجنة تحقيق عامة، وبصرف النظر عن حقيقة مهام هذه اللجنة القادمة المشكّلة، يتذكّر رأي الفيلسوف جون ستيوارت ميل: إذا كان كلّ البشر يمتلكون رأياً واحداً، وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأياً مخالفاً، فإنَّ إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيامه بإسكات بني البشر كلّهم، إذا توفّرت له القوّة.
كذلك ينبغي أن أطرح الأسئلة الأساسية المهمّة الآتية، كرؤوس أقلام عامّة للقضية، أي، ماذا يحدث، ولماذا.. كيف.. وإلى أين؟
إذا لم تستطع أيّة مؤسسة ثقافية مدنية أن تقنع الآخرين بإجاباتها المشروعة، مشفوعةً بما يؤهّلها في التحرّك في هذا الاتجاه الخطير، أو ذاك، قانونياً ودستورياً، منسجماً مع النظام الداخلي لها، فربَّما ستكون البداية لانتقالها من فسحة الحرّية إلى خانة لمداراة سُلطة جديدة للقمع، حتَّى يجد المثقف نفسه، في النهاية، تحت سقف من (السكوت) الإجباري، وبالتالي الخضوع لعبودية أفراد يخشون على مصالحهم الفردية الضيّقة على حساب المادة 19 من النظام العالمي، كحقٍّ أساسي في حرّية التعبير عن الرأي.
“لكنّني أيضاً لست مع الفوضى وغياب المعايير الأخلاقية والقانونية، وانفلات الحواجز بين الحرّية وغياب المسؤولية، أي مسؤولية حضور الآخر بممارسة حقّه المقابل من دون النيل من كيانه، وجوده، وكرامته”.
ويخشى الهاشمي أن يكون ما قرأه وفوجئ به حول هذه اللجنة التحقيقية، ليس مجرّد إجراء تنظيمي وإداري طارئ، يُراد منه احتواء مشكلة ما، محدّدة هنا أو هناك، أو مجموعة من المشكلات في هذا الوسط الإشكالوي، وإنّما تعني، نهجاً تعسّفياً قادماً سيُلزم الآخرين الخضوع له، والاصطفاف لتأييده، بغية العودة لأجواء مؤسّسة القطيع السابقة..!
سمعة الأدباء
ويشير المسرحي علي عبد النبي الزيدي إلى أنَّ واحدة من القضايا المهمة التي طفحت قذارتها ما بعد 2003، هو اتخاذ بعض الأدباء من الفيسبوك (مثلاً) أداة للتنكيل والتشهير وتصفية الحسابات وتحريض (الآخرين) على قتل فلان من الأدباء، وربَّما تصفية حتَّى عائلته، في حين يرى أنَّ من لديه قضية ما ضدَّ أيِّ أحد مهما كان، ليذهب إلى أروقة المحاكم، وللعدالة والقانون صولته، وهو جانب فيه الكثير من التحضّر يليق بـ(معشر) الأدباء، لا أن يتحوّل الفيسبوك إلى ساحة للمعارك والبطولات والمناوشات الكلامية، ومن هنا “تشكّلت هذه اللجنة- كما أزعم- من قبل اتحاد الأدباء والكتاب نتيجة لظروف خاصة تتعلّق ببعض أعضاء الاتحاد، من الذين اتخذوا من وسائل الاتصال الاجتماعي أمكنة للصراعات والمناوشات الكلامية، التي وصلت للسباب والعراك وسواها، وهو ما يضرُّ بسمعة الاتحاد وأعضائه، فالاتحاد يريد وضع حدود للمهاترات والاتهامات التي قرأها الجميع على صفحات الفيسبوك، وهو أمرٌ مؤسفٌ ينعكس بالسلب على صورة الاتحاد ككيان ثقافي، يستمدُّ قوّته من استقلاليته وثقة المجتمع به وبأعضائه لكونهم يشكّلون الجانب المشرق داخل الوطن، أو هكذا تراهم الناس، وبالتأكيد هذه اللجنة لم تُشكّل لتراقب الكتابات الإبداعية للأدباء وتضع عيوناً هنا وهناك لتكون قامعة لأفكارهم وتحدّ من حرّية الرأي كما أشار البعض، على الإطلاق.. فهم أحرار فيما يكتبون ويعبّرون على آرائهم وتصوّرات بحرّية تامّة، فالاتحاد لا يملك سلطة الرقيب على النتاج الإبداعي، وهو أمر مفروغ منه تماماً، وهذه المعلومات كنت قد عرفتها عن كثب من المركز العام، وفهمت أنَّهم يعرفون أين يضعون أقدامهم في المكان المناسب، ومع كلِّ ما تقدم.. على هذه اللجنة أن تنحصر أعمالها في القضايا الخاصة بين الأدباء، محاولة وضع حدٍّ للصراعات ونشر الغسيل في وسائل الاتصال الاجتماعي، وهذا هو حدود عملها- بحسب علمي- لا غير”.
نظام داخلي
ويختتم الشاعر عمر حماد هلال حديثنا بأنّه لا يخفى على الكثيرين ما لاتحاد الأدباء والكتّاب الذي تجاوز عمره أكثر من نصف قرن من العطاء من أهمّية في لمِّ شمل مثقفي العراق ومبدعيه على الحب والإبداع والكلمة الحرّة التي رفع لواءها أدباء البلد ومثقّفوه، فهي سلاحهم الآن ضدَّ الفساد والتخنّدق الطائفي المقيت، شريطة أن تنتهي حرّيتهم مع بدء حرّية الآخرين، وهو أمر يتفق معي فيه الجميع، فالأديب هو مبدع أولاً وآخراً، أمَّا أن يمارس الأديب السياسة فالأمر متروك له شرط أن ينزع جلباب الأدب ويكتب ما يشاء كسياسي يروّج لهذه الجهة أو تلك، لا أن يضع الملح على الجرح أو يهاجم الاتحاد الذي هو جزء منه ويمثّله، فمن الطبيعي أن يتخذ الاتحاد إجراء لتشكيل لجنة وأعتقد أنَّ هذا ضمن نظامه الداخلي لاستكناه ماهيّة الأمر وهو ما تفعله أيّة مؤسّسة أو دائرة حينما يقوم أحد موظفيها بمهاجمتها. ولأنَّ الاديب هو قيمة عظمى، فإنَّنا نأمل من اتحادنا التغاضي عن بعض الأمور الجانبية على أن لا تفرّق شمل أعضاء الاتحاد، فهو ملاذنا الأول والأخير في أمورنا الثقافية كلّها.