مرتضى الجصاني
للوهلة الأولى تبدو أعمال الفنان الإيراني ساسان نصرنيا خطية لكن بعد التمعن نجدها إيهامات خطية، استخدم فيها أشكالا تعطي انطباعا خطياً مع الحفاظ على هيكل الحرف الخارجي في مجمل العمل إلا الأجزاء المنهارة من اللوحة.
يعمد ساسان في أعماله لإظهار فكر وتعبير ذاتي عبر لفت الانتباه وشد المتلقي إلى ماهية ما يحدث على سطوحه وهو بكل الأحوال لا يخلو من تأثير "گرافيكي" من خلال إخراج العمل بشكل يجعل المتلقي يعيد ترتيب أفكاره، بأن ما يحدث هو فقط من خلال الخط، وهو بلا شك تعبير عن حالة زعزعة الاطمئنان الذي يألفه الإنسان عبر النصوص الكتابية، وبذلك حطم ساسان صورة الكلمة المتمثلة في شكل الخط.
إن تحطيم وانهيار النص وانهماره على الأرض والجدران هو تعبير عن الكثير من المشاعر داخل الفنان التي لا يتمكن من البوح بها، لكنه ينقلها لنا على شكل عمل فني، وأعمال ساسان هي تجسيد لفكرة "تعلم القاعدة كما يجب كي تكسرها كما يجب"، حيث إتقان الفنان لقواعد خط "النستعليق" جعله على دراية بما يفعل، فهو لم يكسر الشكل الخارجي للحرف، بل كسر رمزية النص بذاته، مما نقل الخط من تعبير ضيق إلى كوني.
تتمثل أعمال ساسان بأحجام كبيرة لصنع مشهد بصري على شكل كتل كتابية ضخمة تنهار أو تسيل في الفراغ، أو على الأرض لتصنع فضاءات جديدة يمكن للمتلقي أن يكون جزءا منها، من خلال امتداد أشكال الحروف المجردة التي غالبًا ما يتم تكوينها هندسيًا، وتشوهها إلى ما وراء الحدود المعتادة، والتي يعمد ساسان على أن "تتساقط" على الأرض وتمتد بين مساحات الفراغ واستغلال الفضاء المحيط بالعمل.
هكذا قد تخيل الفنان احتشاد الأفكار والرموز والمعلومات داخل دماغ أحدهم، حيث تتحول إلى مفردات وحروف ترقص حولها، مع دمجه في ذات الوقت بمجموعة من الأنماط الغامضة، في بعد آخر، تتصل وتحول الطاقة من الاهتزازات الدماغية إلى عين المشاهد.
تشغل الفنان فكرة كسر اليقين الذاتي عند الإنسان واحتشاد الأفكار المتقاطعة والمتضاربة في آن واحد، مما يدفع الفنان للتعبير عن معنى كبير داخله، ورغم أن أعمال ساسان تقنيا تكاد تكون متقشفة من الألوان ومعتمدة على ألوان الخط ذاتها المتكونة بصورة أساسية من لون واحد، إلا أنه يتغلب بهيبة الفكرة الكبيرة واشغال عين المتلقي بصرياً بموضوع اللوحة مبتعدا عن الزخارف الجمالية المعتادة في أعمال الخط، خصوصاً وأنه سليل إرث خطي كبير من خط "النستعليق" ذي القواعد والأصول الصارمة في الكتابة، غير إنه يتخذ من الخطوط اليابسة مادة أساسية فهو معتمد على شكل من أشكال الخط الكوفي الذي يتيح للعين مشاهدة انكسار وتمدد الحرف بصورة واضحة لا تشوبها أو تمنعها ليونة الحرف.
يعد ساسان نصرنيا واحدا من فناني الخط الحديث الذين تأثروا برموز الخط من أمثال "محمد إحسي، حسين زيندرودي" وشخصيات بارزة أخرى في هذا المجال، وكفنان حروفي ترتكز معظم أعماله على عامل الجذب البصري داخل الإطار التشكيلي، وكذلك على فكرة فلسفية ونفسية ذات صلة مباشرة بجوهر أزمة وجودية عصفت بالإنسان المعاصر والتحولات التي تحيطه، وخصوصاً فيما يتعلق ببيئته.
في بداية حياته المهنية كان ساسان نصرنيا يعمل على ترسيخ فكرة اكتشاف مكامن جمال الحرف العربي، وإن كانت الكلمات التي يخطها باللغة الفارسية، وبلا شك فإن الفارسية والعربية تتشاركان ذات الحروف.
لقد كان ساسان وفي المقام الأول خطاط وفنان طباعي يعزز اتساع نطاق عمله من خلال استكشاف طرق جديدة لإظهار الخط العربي بالفارسي وانغماس العربية الكلاسيكية بالحديثة على وفق نهج إبداعي متناسق.
ساسان الحاصل على بكالوريوس من جامعة آزاد آرت ويعيش في فانكوفر، بدأ مسيرته الإبداعية تحت تأثير رضا عابديني في جامعة آزاد للفنون.
وبعد التخرج من قسم التصميم الجرافيكي والفنون الجميلة، كان اهتمامه مرتبطا بالطباعة الحديثة ثم طور لاحقًا نوعًا من مفردات ظهرت عبر تركيزه على تشوه الحروف والتقاطع بين الرسم والخط والتركيب.
يعمل حاليًا بشكل رئيسي على لوحات أكريليك كبيرة الحجم يخلق لنفسه اسلوبا حداثيا منفصلا، أو يخلق خطا شخصيا ذاتيا عبر ايجاد طرق جديدة لتشكيل الحروف باستخدام المفاهيم المعاصرة، ومن خلال تفكيك قواعد الكتابة العربية والفارسية والاستفادة من امكانياتها الديناميكية والحركية.