المجتمع الجمالي

ثقافة 2024/07/08
...

  كاظم لفتة جبر

يتميز الإنسان بكونه كائنا يمتلك الخيال، أي التصور الذي يبتكره أو يخلقه في ذهنه وغير موجود في الواقع.
وأن التخيل لا يمكن أن يعمل دون وجود الحواس والحس.
وأساس التفكير قائم على العقل، لكن العقل محدود، أما الخيال فلا يحده شيء، لذا يمكن عد التفكير المنطقي والعلمي هو القائم على الإدراك العقلي، ومن سماته إنه موضوعي، أما التفكير الإبداعي فهو قائم على الخيال، ومن مقومات التفكير الإبداعي إنه حر وذاتي، فالعقل للكل، أما الخيال نسبي ومختلف بين الناس، والسبب قد يكون المعرفة التي يتحصل عليها الفرد  أو البيئة، أو الظروف المناسبة لخلق تلك العوالم في الخيال.
المعرفة الجمالية شعورية، أي تقوم على العاطفة كما يراها الفيلسوف إيمانويل كانط، أو كما يسميها مؤسس علم الجمال بومجارتن المعرفة الغامضة، بعكس المعرفة الواضحة وهي العقلية، فالمعرفة الشعورية تقوم على الخيال  بعكس العقلية التي تقوم على منهج علمي معين.
فالعقل واحد، أما الخيال فمتعدد، كلاهما يقوم على  الإدراك الحسي، لكن الاحساس مختلف أي  تكوين الصورة الذهنية، بمعنى أن منطق العلم، يختلف عن منطق الشعور بالعاطفة،  وعلى ذلك تتحدد استجابة الإنسان لهذا الإدراك، فكل إنسان عاقل يتعامل مع الأمور الحياتية وفق الاستجابة العادية، وهي استجابة تقوم بين الذات والموضوع وفق معطيات محفوظة مسبقاً في الذهن، تعلمها من الأسرة والمجتمع، وهي استجابة واحدة عند كل إنسان مهما اختلفت مرجعياته، لكن الاختلاف يكمن في طبيعة الاستجابة اما تكون سلبية، أو إيجابية، أما الأخرى ويمكن أن نطلق عليها الاستجابة العقلية وهي التي تعتمد على التجربة في فهمه للواقع، و ما يهمنا في حديثنا هي الاستجابة الجمالية القائمة على الشعور والعاطفة، وهي موقف ذاتي للمتذوق.
فالفرق واضح بين الوعي والإدراك، فالمتذوق للجمال أما يكون مدركاً، وهي تمثل حالة إنسان بسيط يشبه الطفل للتعامل مع الجمال، وهي تمثل عامة الجمهور، أما الوعي بالجمال فهو يمثل مرحلة تأمل وكشف عن الإبداع، والسير في العوالم التي خلقها لنا المبدع من خلال عمله.
فالمتذوق الواعي هو المثقف الذي يشارك المبدع إبداعه عبر وعيه وموسوعية خياله.
المشاركة سمة أصيله في نظام الكون والحياة، وعلى المبدع أن يستثمر تلك السمات لفهم الحياة وتكوينها، ومن السمات التي يتصف بها الجمال الفني، هو خلق وإعادة ترتيب الموضوعات إلى الأفضل، ونقلها من السلبي إلى الإيجابي، فكل ما هو ممنوع أو قبيح في الواقع يمكن أن يكون جميلاً عبر خيال الفنان.
فمن مميزات الخيال أن نصنع الأشياء كما نريد، لا كما هي تريد كما في التفكير العقلي، فالعقلانية جيدة لفهم الحياة ومعرفة التواصل مع الآخر والموضوعات الخارجية، لكن الخيالية مهمة لفهم شعورنا والأحاسيس.
فالمجتمع الجمالي هو المجتمع الواعي الذي يبدع في خلق أشياء عظيمة من أشياء بسيطة في الحياة اليومية، مثل خلق النظام والتناسق والانسجام بين المجتمع كأفراد، والموضوعات كأشياء، فيمكن أن نتصورهم "روبوتات" مهجنة إنسانياً، ويمكن الكشف عن ذلك من خلال المجتمعات اليابانية والصينية، بخلاف المجتمعات الأوروبية فأنها علمية وعقلية، أما مجتمعنا العربي فهو خليط بين الديني والعلمي كونه مجتمعا مستهلكا حتى في الأفكار، لذلك تجده مليئا بالصراعات وسوء الفهم، لعدم وجود نسق ونظام للحياة والمشاعر، فكل شيء يغرينا، لأن تفكيرنا محدود بالحواس، فلا يكون نظرنا مرفوعا مثل أوروبا، ولا بصيرة شعورية إنسانية مثل المجتمعات اليابانية والصينية، بل حدود نظرنا بين البطن
والركبة.