الرياضات القتاليَّة والدفاع عن الذات

ريبورتاج 2024/07/09
...

  فجر محمد

يرتدي الصغير مهيمن رشيد الزي الخاص بإحدى رياضات الفنون القتالية، وهو يشعر بالسعادة، إذ اختار تعلم هذه الرياضة بعد أن كان يشعر بالخوف المستمر، ويتردد في الدفاع عن نفسه إذا ما تعرض إلى أذى بل وصل به الحال إلى تجنب المواجهة مع أقرانه، ما دفع والدته إلى إشراكه بإحدى القاعات الخاصة برياضات الفنون القتالية، وتشير والدة الصغير مهيمن إلى أن رغبة ابنها بتجربة ألعاب الدفاع عن النفس، كانت بمثابة حافز كبير لها لإشراكه بهذه الألعاب التي قد تنمي شخصيته أكثر، وتقويها حسب اعتقادها.

ويرى مدرب لعبة الكيوكوشنكاي والحكم الدولي الكابتن ياسين رياض، أن هناك الكثير من الأطفال والمراهقين يعانون من ضعف بالشخصية، فضلاً عن الخجل وعدم  الرغبة بالاختلاط بالآخرين، ولهذا لدى مدربي الألعاب القتالية حسب قول الكابتن ياسين طرق خاصة في التعامل مع هؤلاء الصغار الذين يعانون من الخجل والإنطوائية، ومنها العمل على دمجهم مع أقرانهم،  واعطائهم دروساً ومحاضرات لتهيئتهم للألعاب الرياضية أولاً، ثم الاندماج بالمجتمع.


مواجهة الخوف

ارتعاش اليدين وتسارع ضربات القلب، والرغبة بالابتعاد عن الجميع كلها علامات وإشارات أثارت قلق والدة الصغير مهيمن، وبعد سؤالها لمستشار ومختص بالصحة النفسية تبين أن الصغير يعاني من الخوف الشديد وقلة الثقة بالنفس.

يدرب الكابتن ياسين العديد من الشخصيات التي تشبه مهيمن، ومن خطواته الأولى التي يتبعها هي إشراكهم بالجولات والنزالات التي ليس الهدف منها الفوز أو الخسارة، وإنما العمل على انتزاع الخوف والتردد من أعماقهم، وكم من متدرب كان يعاني من مشكلات واضطرابات اجتماعية متنوعة، ساعدته الرياضة على تقوية الذات والاندماج مع المجتمع كما يبين ياسين.

أما عن تنمية شخصية الطفل أو المراهق بواسطة هذه الرياضات، فينوه الكابتن إلى أن هناك دروساً توضيحية تعطى للمتدربين كي يتحكموا بأنفسهم ولا يتحولوا إلى شخصيات عدوانية، نتيجة الثقة المفرطة بالنفس ولامتلاكهم مهارات الدفاع عن الذات بطرق حديثة ومبتكرة، وألا يستخدموا تلك المهارات بطرق عشوائية أو ضد أقرانهم ورفاقهم وإخوتهم. و

في حال حدوث هكذا حالات، يتم التعامل مع المتدرب بطريقة صارمة كي لا يعيد الكرة مرة أخرى ويتسلط على من هم أضعف منه.


النساء والتحرش

في تقرير سابق نشره المرصد العراقي لحقوق الإنسان، بين فيه زيادة حالات التحرش التي تتعرض لها النساء، ومنهن من تواصلت مع الجهات المعنية وتم تقديم شكوى بهذا الخصوص في حين فضلت أخريات التسلح والتدرب على رياضات الفنون القتالية، لمواجهة هكذا حالات.

وتشجع بطلة العراق والعالم العربي في لعبة الكيوكوشنكاي ومدربة اللياقة البدنية سندس هادي، النساء على تعلم واحتراف الرياضات التي تساعدهن على حماية أنفسهن، وترفض أن ترى المرأة نفسها أو أقرانها ضحايا للمجتمع، بل لا بد أن تكون لديها الإرادة والشجاعة ووضع الحدود في التعامل مع الآخرين، وتنصح هادي النساء بتعلم الرياضات الخاصة بالدفاع عن النفس ومنع الآخرين من التجاوز عليهن أو الإساءة لهن.


الرهاب الاجتماعي

ربما الخوف أو القلق في المواقف الحياتية أو المناسبات الاجتماعية، أمر وارد حدوثه لدى الكثيرين، وخصوصاً المراهقين لكن أن تصل الحالة إلى رفض الاختلاط، والشعور بالخوف والخجل الشديدين وعدم الرغبة بالخروج من المنزل أو لقاء الأقارب، فهذا أمر يستدعي التوقف والانتباه له ومحاولة وضع حلول جذرية للأمر. هذه المشكلة الاجتماعية كان يعاني منها اليافع حسن سامي، وبدأت تزداد سوءاً مع تقدم العمر ولهذا سعى والده إلى وضع حد لهذه المشكلة، وإشراك ولده بالألعاب والرياضات القتالية.

يعتقد مدرب الرشاقة وبناء الأجسام مصطفى محمد، أن للرهاب الاجتماعي أسباباً متعددة ولهذا فإن إحدى وسائل علاجه الانخراط بالرياضات المختلفة وأخذ التوجيهات الصحيحة من المدرب، ومن الخطوات الأولية المهمة  غرس القناعة داخل الشخص الذي يريد أن يغير من حاله، ليكون أكثر قبولاً اجتماعياً، ومنها الاهتمام بالمظهر العام، إذ يقوم المدرب بوضع جدول تغذية مناسب وإبعاده عن السكريات والحلويات، وتشجيعه على الالتزام بنظام غذائي متنوع ومليء بالمواد الضرورية لبناء الجسم السليم.

من جهته يبين مدرب الفنون القتالية الرياضية وبطل العراق السابق في لعبة الكيوكوشنكاي الكابتن رياض عبدالله جعفر، أن هناك فنوناً قتالية متنوعة ومن أبرزها والتي تستهوي الفئات العمرية المختلفة هي لعبة الكونغ- فو، لأنها تمتاز بالقوة والدقة وتمنح المتدرب الثقة الكلية والكبيرة بالنفس، فتصنع منه شخصية قوية جداً، ويرى الكابتن أن ألعاب الفنون القتالية من شأنها أن تنمي الشخصية وتطورها، خصوصاً لمن يعاني من الضعف وانعدام الثقة، لأنها سوف تنقله من مستوى الضعف  إلى الثقة العالية وبالتالي سوف تجعله من أصحاب المهارات الاجتماعية المهمة، وتجدر الإشارة إلى أن رياضات الفنون القتالية بدأت تأخذ دورها الكبير في المجتمع بسبب تطوير المهارات القتالية، لدى لاعبيها من البنين والبنات، إذ منحتهم الثقة الكبيرة في الدفاع عن النفس خصوصاً عندما يضطرون إلى ذلك، ويشجع الكابتن الأسر على إشراك أولادها وزجهم في هذه الرياضات، لأنها تضفي التميز على شخصياتهم، وتساعدهم على بنائها بشكل صحيح.


تنمية وتطوير

يجد الكابتن ياسين رياض أن الشخصيات التي تعاني من الارتباك والقلق، تظهر بوضوح في فترة المراهقة ولهذا تحتاج إلى أساليب وطرق خاصة في التعامل معها، ومحاولة زرع الثقة بالنفس، ولذلك فإن الرياضة وتطوير الذات إحدى تلك الوسائل الناجحة القادرة على تشجيعهم، ودمجهم مع أقرانهم.

ومن جهتها تعتقد المختصة بمسرح وشؤون الطفل الدكتورة فاتن الجراح، أن الإقبال على هذا النوع من الرياضات قد يكون مرتبطاً بالتحولات الحاصلة في المجتمع، إذ يقع الدفاع عن النفس في مقدمتها، خصوصاً مع وجود عمليات الاختطاف وإمكانية وقوع الفرد في براثن عصابات الاتجار  بالبشر، لهذا  تلجأ الأسر لتعليم أبنائها أساليب الدفاع عن النفس. وبالمقابل ترى الجراح أنه يمكن أيضاً التشجيع على تعليم الأطفال رياضات مفيدة وممتعة ومنها الجمناستيك وألعاب القوى، بغية تهيئة ملاكات يافعة لفرق وطنية وتأهيلها كي تتفوق في المسابقات الدولية.


المنتديات الرياضيَّة

كان لتلك المنتديات في وقت سابق، دور كبير وحيوي في إشغال الشباب واليافعين لأوقات فراغهم بشكل صحيح، لما تقدمه من أنشطة وتنمية للمواهب والمهارات ولكن سرعان ما قل دورها وحضورها بشكل واضح بين الفئات العمرية المختلفة، ويوضح الصحفي الرياضي نبيل الزبيدي أن لتلك المنتديات دوراً كبيراً في تنمية وتطوير الشخصية، ولهذا هناك حاجة ماسة إلى عودتها من جديد والاهتمام بها بشكل صحيح.

ويؤكد الزبيدي أن خوف الأسر على أبنائها من الخروج واللعب في الطرقات العامة، خصوصاً مع حلول العطلة الصيفية دفعها إلى زج أبنائها بالقاعات والأندية الرياضية، الأمر الذي يحذر منه الزبيدي، إذ ينصح أولياء الأمور باختيار تلك الأماكن بدقة ليكون الطفل أو المراهق بأمان تام، خصوصاً في ظل انتشار المنشطات الرياضية وهي مواد غير خاضعة للمواصفات الصحية، في حين لو كان للمنتديات الرياضية وجود حقيقي لأصبح بإمكان أي فرد في المجتمع، أن ينخرط في تلك المنتديات ويشارك فيها وينمي مواهبه.