محمد حاتم: الحداثة في الفنّ نزعة إنسانيّة
حاوره: علي لفتة سعيد
مذ كان عمره سبعة أعوام وهو يخطّ على ورق يجده فائضًا عن الحاجة، ليجدها تخطيطات تتحوّل لرسم على الجدران بما تهبه له الوجوه والبيئة البغدادية من جريان دجلة وطيور النوارس والجسور والمعلقات، ثم تبهره البيئة الكربلائية. نخيل وقباب وهلال منحنٍ وألوان اللازورد الذي يعانق السماء وخضرة ومياه ليجد أن أفكاره تتجّه نحو الطبيعة ليجعلها معينا يفجر المخيلة حين غادر رسم الطبيعة إلى رسم ما تأتي به المخيلة.
الفنان محمد حاتم، 1962، أخذه الرسم ليحصل على شهادة البكالوريوس فنون جميلة قسم الرسم عام 1988، ليكون بعدها عضوًا بنقابة الفنانين ويعمل مشرفًا اختصاصيًا لمادة التربية الفنية، وهو الآن رئيس جمعية الفنانين التشكيليين فرع كربلاء، شارك في أغلب معارض جمعية التشكيليين، وله مشاركات خارجية وحصل على الجائزة الأولى في معرض الفرات الأوسط، والثانية يوم الشهيد العراقي، وأعماله تنتشر في السعودية والبحرين وأمريكا.
* ما الذي جاء بك إلى الفن؟
- اعتقد أن لدى كلّ إنسانٍ في مرحلة الطفولة ميلٌ للرسم على الورق أو "للعب بالطين" وعمل بعض المجسمات البسيطة، لكنها أما أن تندثر في مراحل متقدّمة من العمر أو تنمو وتستمر، في مرحلة الابتدائية، كان لمعلم الرسم الأثر في زرع وتنمية حب الرسم لديّ وتشجيعه واهتمامه، واستمر هذا الحب في مرحلة الشباب من خلال المشاركة في النشاطات المدرسية لحين قبولي في أكاديمية الفنون الجميلة، هذا العالم المبهر الذي دفعنا للاستمرار وحب الفن. تتلمذنا على يد أساتذة الفن ومعاصرتنا لرواد الفن التشكيلي العراقي "فائق حسن، وليد شيت، ماهود احمد،محمد صبري" الذين لهم الفضل الكبير والدافعية للاستمرار في هذا المجال.
* هل هناك تأثير للبيئة على المخيلة وطريقة الرسم؟
- من المؤكد أن يكون هناك تأثير كبير للواقع الذي يعيشه الفنان من جميع الجوانب "الثقافية، الفكرية، الاجتماعية" لهذا نرى اختلاف بين الفنان الغربي والشرقي في تجسيد واقعه بصور جمالية، على سبيل المثال اختلاف الفن "الأوروبي، الإسلامي". وهذا نراه جلياً في نتاج الفن الإسلامي والتأثيرات الفكرية والدينية لمدة قرون على الفنان الذي اتجه نحو جوانب زخرفية وتزيينية، والابتعاد عن التشخيصية، والفنان لديه القدرة على تجسيد الواقع جمالياً بدلالات مرمزة ذهنياً ويحولها إلى صيغ ابتكارية جديدة لتأخذ مديات واسعة في مخيلته وأسلوبه.
*أي المدارس الفنية التي تراها الأقرب اليك؟
- منذ أن كنتُ طالباً في أكاديمية الفنون الجميلة، درست وتعرّفت على أغلب المدارس الفنية التي أعطتني إمكانية معرفة الجوانب الفنية لكلّ مدرسة، من حيث اللون والشكل والرؤية الجمالية، فقد اشتغلت على أغلب المدارس، لكني أجد نفسي في المدرسة التعبيرية التجريدية، لأنها تعطي الفنان حريةً أوسع للتعبير عن مكنوناته الحسية والوجدانية من ناحية اللون والشكل والمساحات دون التقيد بالقواعد التي تفرضها بعض المدارس الفنية، من حيث الابعاد والأشكال والمنظور وما إلى ذلك.
* أمام تعدد المدارس التشكيلية في الفن العراقي، نرى أن هناك اختلافاً ايضا في تقبلها، كيف ترى تعددها واختلافها؟
- إن تعدّد المدارس الفنية حالة صحية وحضارية،فالفنان دائم البحث والتجريب في عمله الفني، لتحريك الثابت والتخلي عن الجمود، وبالتالي إيجاد فضاءات جديدة تعتمدعلى جانبي الخبرة التصويرية الخيالية، والخبرة الادائية التنفيذية، فتعدّد المدارس الفنية هو إثراء للحركة التشكيلية العراقية.
* يرى المتلقي بأن أفكار لوحاتك تنطلق من البيئة العراقية ونقل ما يشابه الواقع. هل أخذت على عاتقك أرشفة الواقع فنيا؟
- اللوحة تعطيني حضوري الإنساني المتجدّد، بداية حسية جديدة لهذا الوجود الذي يستند على المكنونات الوجدانية والعقلية، فاللوحة تمتلك فضاءات واسعة لا متناهية تشدّني لمعابر الطفولة وجسورها، ليست فقط طفولتي بل طفولة الإنسان القديم وعفويته، ومن هذا المنطلق اشتغلت واستخدمت أسلوبا وتقنيات مختلفة، واتخذت من المنجزات العملاقة للفن السومري والرافديني بشكلٍ عام نصيراً وملهماً،لمحاولة اكتشاف الحاضر من خلال الماضي ومدّ الجسور البصرية عبر التاريخ لمفرادات وعلامات ومقاطع هذا الفن العظيم وإعادة تشكيلها لتحقّق رؤية جمالية تصل إلى المتلقّي بلغةٍ تشكيلية معاصرة.
* في ألوانك ثمّة روح، هل علاقة بين اللّون والفكرة أم اللّون والطبيعة؟
- اللوحة ترتبط بشكلٍ كبير بما هو موضوعي له علاقة بالحواس وما هو ذاتي له علاقة بالمخيلة والتأمّل والعواطف، ومن المؤكّد أن أيٍ عمل تشكيلي يحمل دلالات لونية له تأثيره على الجانب الحسي والعقلي للمتلقي، ولكي تنجز عملًا فنيًا لابد أن تكون لديك قدرةً على فهم رمزية الألوان والأشكال والعلامات والإشارات ومدى تأثيرها على المتلقّي، فاللون هو أساس أي عمل فني، بمعنى آخر "الأفكار والجوانب الحسية لا يمكن أن تظهر إلّا من خلال قدرة الفنان على اظهار اللون".
*البعض يرى ان النقل الواقعي أو الرسم الانطباعي لم يعد ملائمًا لروح العصر، وإن المدارس تربّعت على أغلبية من الفنانين،هل أخذت على عاتقك إعادة الروح إلى جذور هذا الفن؟
- لا يوجد في الفن التشكيلي حالياً تفرّد لأسلوبٍ معيّنٍ دون الآخر،فلكلّ فنانٍ رؤيةً في تنفيذ عمله الفني، سواء كان واقعيًا أو انطباعيًا أو أية مدرسة من مدارس الفن الحديث. واعتقد أن ابتعاد الفنانين عن الفن الواقعي كونه قد لا يعبّر عن الدواخل الإنسانية من أفكارٍ ورؤى وسبر مناطق الوعي والتفكير العقلي، وبالتالي تحويلها إلى منجزٍ فني وإبداعي يمتلك القدرة على الابهار والدهشة بلغة تشكيلية خلابة.
*هل تعتقد أن المتلقّي أقرب إليه المدارس الجديدة للفن التشكيلي؟
- تعتمد قدرة المتلقّي بشكلٍ أو بآخر على ثقافته الفنية ومدى اطلاعه على الفن التشكيلي بشكلٍ عام، وامكانيته الذاتية على قراءة العمل الفني، وبالأخص الأعمال التي تبتعد عن الواقعية المباشرة، وهذا ربما يأتي من خلال متابعة المتلقّي والاطلاع على المعارض الفنية
والتشكيلية.
* لماذا اتّجه الكثير من الفنانين إلى المدارس الحديثة؟
- إن الإنسان بشكلٍ عام دائم البحث عن التجديد والتطوير في شتى المجالات، ويمكن القول إن الحداثة في الفن هي نزعةٌ إنسانية نحو التطوير والتجديد لما هو موجود للوصول إلى حقائق جديدة، قد تلغي تجربة الآخرين لكنها تستند اليها، والفن الحديث هو القدرة والامكانية التي يمتلكها الفنان لاكتشاف النفس البشرية، واختراق عوالم لم يصلها قبله أحد للوصول إلى مساحاتٍ حسيةٍ ووجدانية جديدةٍ مفعمةٍ بالحيوية والعنفوان الجديد، يقول بول كلي: "إن الفن لا يعيد انتاج المرئي ،بل يجعله مريئاً".
* كيف ترى واقع الفن التشكيلي في العراق؟
- إن الواقع الفني التشكيلي في العراق رغم ابتعاد الدعم المادي والمعنوي من قبل الدولة وعدم اهتمامها بهذا الجانب
الحيوي،لكني أرى الحراك التشكيلي خير من خلال النشاطات والمعارض الفنية التي تقام في بغداد والمحافظات والإمكانات الفنية الكبيرة للكثير من الفنانين، أضف إلى ذلك افتتاح عدد من القاعات الفنية والكلريهات المتخصصة التي تعكس الحضور الفني التشكيلي في العراق.