نصير الشيخ
يمكن ترحيل المنهج "السيميائي" من حقله السردي في مساحته الأدبيَّة إلى حقله الإعلامي، وبما يمنح فكرة دراسة الأخبار والتقارير الصحفيَّة على أنّها نصوص سرديَّة تتضمن العناصر نفسها التي تتوافر في أي نص سردي آخر، وهي "الحدث/ الأشخاص/ المكان/ الزمان"، والذي تقابل العناصر التي على النص الاخباري أن يتوافر عليها وتتمثل بالإجابة عن الأسئلة الستة "ماذا، من، متى، أين، كيف، لماذا".
من هذه الفكرة يأتي كتاب "سيمائيَّة السرد في الأخبار الصحفيَّة ــ دراسة في بناء الخطاب الإعلامي" للدكتور نزار عبد الغفار السامرائي، الصادر عن دار العربي للنشروالتوزيع.
الكتاب جاء بتقديم الدكتور محمد رضا مبارك، الذي ذهب الى أن هذا الصدار "يعدُ أحد أهم الكتب في دراسة النصوص الصحفيَّة سيمائيَّة، بفضل دراسته النوعية كونها لا تعتمد على الكم أو التصنيف الكمي للمواد الصحفيَّة التي صاحبها
التكرار".
من هنا يقدم هذا الكتاب مزيداً من الأسئلة تتعلق بالمحلل السيميائي وقدرته على تطبيق المنهج، ولا سيما النصوص الإعلاميَّة، وبذلك نؤكد أن هذا الكتاب هو منهجي وثقافي وتعليمي، وهذه الصفات تجعله في عهدة قارئ مختلفٍ لا يحفل بالتكرار والاستهلاك بقدر عنايته بالإضافة والجدة والابتكار.
الفصل الأول تناول "تطور الدراسات السرديَّة" في جذرها المعتمد على النصوص الأدبيَّة كالروايات والحكايات وصولاً لنظرية الرواية، وهنا تتبع المؤلف أصول الدراسات السرديَّة التي أرجعها إلى "أفلاطون" وصولاً إلى بارت عبر تقعيد مفهوم السرد وتطوره في تاريخ الأدب.
ليتحصل لنا أن العمل الأدبي يتضمن قصة وخطاب، والخطاب هو الكيفية التي تصل للقارئ عبر سردها للأحداث.
اشتغال السامرائي في هذا المجال هو إسهامة متميزة أكدتها فصول الكتاب ومضامينها، وتجلت في محاولته لنقل القراءة النقديَّة من الانطباع والانفعال العرضي والكلام الإنشائي الذي يقف عند الوصف المباشر للوقائع النصيَّة الى التحليل المؤسس معرفيَّاً
وجماليَّاً.
ومن ثمَّ وفي ما يخص الأخبار الصحفيَّة، فإن الكاتب تناول أن النصوص الإخباريَّة هي سرديَّة تعتمد اللغة أداة لتوصيل المعلومة إلى المتلقي، وهي بذلك تستخدم أدوات اللغة المختلفة مع تأكيد خصوصيَّة لغة الإعلام التي تميزها عن اللغة الأدبيَّة.
أما "عناصر السرد الصحفي" هو عنوان الفصل الثاني، وجاء فيه أن أي عمل حكائي تتجسّد فيه أربعة عناصر أساسية هي "الأفعال والفواعل والزمان والمكان".
وهي كلها ما يؤسس المادة الإخبارية للوسيلة الإعلاميَّة ومركزها "المحرر" الذي يعمل على تنظيم العناصر المشكلة له في إطار يتناسب والشكل/ القالب الفني الذي يستخدم في كتابة النصوص الإعلاميَّة.
ويرى المؤلف أن عملية بناء المضمون في النصوص الإعلاميَّة ترتكز على كيفية بنائها عبر استخدام اللغة، لأن الحقائق تكتسب معناها بوضعها ضمن إطار أو قصة بعد ترتيبها وإعطائها
اتساقاً.
ناقَلَ المؤلف مفردات ومفاهيم الأدب إلى حقل الإعلام، حيث قاموس السرد يحضر بكل ثقله في هذا الكتاب، وبما يجعل من محايثتهِ للمفاهيم والاقتران مع بعضها لإنتاج حقل دلالي جديد، حيث تحضر مفردات "السرد، السارد، المسرود له، التبئير، الخ" ليستعرض لنا في هذا الفصل دلالات الزمان والمكان ومديات تأثيرهما في النص الإخباري
فيما بعد.
أما الفصل الثالث "تحليل النص الصحفي" فقد جاء لعتبات النصوص الموازية التي تشترك بها النصوص قيد الاجراء وصولاً للتحليل الكمي.
واعتمد المؤلف العمل الإجرائي المخبري للوصول إلى مديات تأثير الخبر الصحفي.
واختار عدداً من المواقع الإخبارية على شبكة الانترنت على وفق المعايير المتعلقة باختيار العينات في البحوث النوعية، ولغرض إجراء التطبيق العملي في تحليل النصوص الصحفيَّة سيمائيَّاً.
ووقع اختياره على موقع "نقاش الإلماني" وموقع "مونيتورالإمريكي" اللذين ينشران باللغة العربية تقارير إخبارية منوعة تخص العراق.
يخلص المؤلف نتائج تدعم أطروحاته ومفهومه في تحليل الخطاب الإعلامي وبنائه، في "اعتماد صياغة النصوص على تحديد مسارات سرديَّة، وكذلك تعتمد إبراز قيمة الصراع سواء كانت ظاهرة أم مستترة، ومن ثم احتواء النصوص على بنية عميقة تتضمن دلالات غير ظاهرة في
النص".