النسَاءُ اللَّواتي أَلهمنَ بودلير

ثقافة 2024/07/10
...

سيريل جينيت

ترجمة: هدى حمودة

جين دوفال الخلاسيةُ التي ألهبت مُخيّلة بودلير، الإيروسية أبوليني ساباتييه التي من أجلها اكتوى بنار حب مُتفان، ماري دوبران التي كَسرَت قلبه بتخلّيها عنه من أجل شاعر آخر.... نبيلات، خادمات، مومسات وفنّانات: في ما يلي النساء اللّواتي أخرجنَ أجمل أزهارٍ للشّر.

Caroline Aupick: أمُّ بودلير المعبودة
طوال حياته تولّع بودلير بأمه. مع ذلك كان على حُبّه الصادق، البالغ والاستثنائي أن يواجه عَقبَة الشِّعر. فتتراجع علاقاتهما، حين قرر شارل، بعد البكالوريا وتَراكم ديونه، أن يكون شاعراً. المِهنة التي لم تستطع تقبلها لا كارولين ولا زوجها الجنرال أوبيك. لذا ستصير الملامات، العداوات الاعتذارات والندم قَدره اليومي. لتنتهي بابتعاد أحدهما عن الآخر. وفي قصيدة أزهار الشر الأولى “البَركة”، صدى لهذا الخِلاف، حيث يصف بودلير ميلاد الشَّاعر كلعنة بالنسبة لأمه.
“لمّا، وبأمر قوى عليا،
يخرجُ الشَّاعر إلى هذا العالم الضجر،
مذعورةً ومليئة بالسُّباب
تضمُّ أمه كفيها صوبَ إلهٍ، يرثي لهَا:
-آه! لمَ لمْ أضَع حُزمة أفاعٍ،
بدَل أن أُطعم هذه البَلاهة!
ملعونة ليلة الرغبات العابرة، حين حَمِل بطني خَطيئتي! .”
Mariette: الخادمة ذات القلب الكبير
حنون وسَخية، منحته العاطفة التي كانت أمه تحرمه منها. وفي مذكراته، يستحضر بودلير الخادمة التي رعته في طفولته عدة مرات: يصلي لراحة روحها، أو يتذرع لها لتعينه، من وراء الموت، على إكمال عمله. الخادمة ذات القلب الكبير ليست أشهر نصوص أزهار الشر لكنها الأكثر تأثيراً. وفي هذا التذكار النّابض يقارن الشّاعر صورة هذه المرأة البسيطة، الودودة بأمه الحاضرة كخَصم وفي آخر نصوصه يتحدث عن شعور عميق بالإدانة، كأنه يعانق ذكرى كائن لا يستحق.
“الخادمة ذات القلب الكبير التي كُنتِ تحسدينها،
والتي تنام نومتها تحت عشب طفيف
علينا، مع ذلك، أن نحمل لها بعض الورود.
الموتى، الفقراء الموتى، آلامهم جليلة...
بمَ أجيب هذه الرُّوح التَّقية،
وهي ترى الدموع تنهمر من جفنها الغائرة؟”
سارة: المومس الحولاء
ككل الشباب البرجوازيين في عصره، أقام بودلير أولى تجاربه الجنسية مع مُمتهناتٍ، وكان بشكل خاص متأثراً بجاذبية سارة المرأة الفائقة الجمال حسب شهادات العصر. والملقبة لوشيت بسبب حولها. لذا دفع الفتى بعمر الثامنة عشرة ثمن هذه الرحلة الاستكشافية في العالم الأنثوي بمرض السيلان الذي شُخِّصَ في شهر تشرين الثاني من عام 1839. وقد ألهمته سارة الصبية المُتاحة ثلاثةً من أزهار شره المُتعبة، منها ستضعين كل العالم في دربك... فيها يستذكر الشّاعر بلا حنين أولى عواطفه المدفوعة.
“ستضعين العالم كله في دربك،
أيتها المرأة المدنسة! ويوحشُ الملل روحك.
ولتُمرِّني أسنانك على هذه اللعبة الغريبة،
يلزمك في كل يوم قلب بِفَك.”
Emmelina: الجميلة الخلاسية
برغبة انتشال رَبيبه من رصيف باريس الجارف، قرر الجنرال أوبيك أن يحمله في رحلة لمدة سنة والتي كانت ستقوده إلى كلكاتا.Le Paquebot-Des-Mers-du-Sud باخرة تجارية يقودها صديق للجنرال، رفعت المرساة في 9 يونيو عام 1841. وفي الفاتح من شهر تشرين الأول رست بجزيرة موريس حيث التقى بودلير بالمحامي المزارع Adolph Autard de Bragard وزوجته الجميلة إيميلينا. لكن بودلير لن يرى جزر الهند مطلقاً، مستغلاً رُسواًّ آخر في جزيرة بوربون، يبحر على متن قارب Alcide الذي يدخل المدينة في نهاية الرحلة. لكنه يحمل قصيدة “إلى سيدة خلاسية” التي كتبها للجميلة إيميلينا.

“في بلاد مُعطرة تداعبها الشَّمس
رأيت في تَدلّي تمر الهند العَنبري
ونخيلٍ يُمطر منه الكَسل في العيون،
سيدة كريول بسحر مَغمورٍ.”
Aglaé Savatier: حب جارف وخفي
ابنة منظفة ولدت لأب مجهول وبدأت حياتها المهنية كممثلة أوبرا ثانوية لتصير العشيقة اللافتة لرجل أعمال غني وتستقر في فيلا بالدائرة التاسعة في باريس حيث كانت تستقبل كل ما تحويه العاصمة وقتها من فنانين وكتاب. وبودلير الذي سيتعرف عليها عام 1852 ليتولَّع بحبها. أرسل لها بتوقيع مجهول، ولمدة خمس سنوات، قصائد ملتهبة بحماسة المشاعر والصوفية. وقد خمنت السيدة كما كان يلقبها مضيفوها المعروفون، بأنه كاتب هذه النصوص الرائعة وهي: تناغم المساء القارورة أو أيضاً ماذا ستقولين هذا المساء، مسكينة الروح الوحيدة، لكنها كتمَت السّر.
“ماذا ستقولين هذا المساء،
أيتها الروح الوحيدة المسكينة،
ماذا ستقول يا قلبي، يا قلبا كنت ذابلا،
للجميلة، الرائعة، للعزيزة
التي أينعتك نظرتها الإلهية فجأة؟
Jeanne Duval: الفينيسيا السوداء السّامة
لا نعرف عنها الكثير، يبدو أنه في نهاية عام 1830 كانت هذه الخلاسية تأخذ دوراً في مسرح Porte-Saint-Antoine لتصير عشيقة المصور Nadar. وتعرفت على بودلير بسن الواحد والعشرين بالتحديد في ربيع 1842. وما هو مؤكد كما تذكره مراسلات الشاعر أنَّ علاقتهما دامت سنوات، وكانت عاصفة ترنحت بين انقطاعات وعودة، شهوة وشراسة، أنانية وشفقة. وحسب أحد كتاب السيرة الذاتية تكون جين هي من نقلت مرض الزهري لحبيبها، والذي سيقتله بسن 46. تسكن جين ديفال عمل بودلير عبر العديد من النصوص الأساسية لأزهار الشر، كخصلة شعر أو أيضا طَيف.

“للحظة يضيء، يستلقي، ويتمدّدُ
طيفٌ من نعيمٍ ودهشةٍ
في وجهِ الحالمة الشرقية،
لمّا يبلغ جلاله منتهاه
أتعرف على زائرتي الجميلة:
إنها هي! سوداءُ لكن مُضيئة.”
Marie Daubrun:كان يناديها “طفلتي، أختي”
عيون الممثلة الكوميدية الجميلة هذه حركت بودلير فبدأت علاقة الشاعر والجميلة ذات الشَّعر الذهبي عام 1854 وكانت مختصرة لكنها ألهمته نصه النثري الشهير دعوة للسفر الذي طلب فيه من حبيبته مرافقته إلى أرض مثالية حيث لا شيء غير ترتيب وجمال وبذخ وهدوء وشهوة. وفي نهاية الأمر فضَّلت حبيبته الشاعر Théodore de Banville عليه. وقد ألهمته ثماني قطع على الأقل من أزهار الشر مثل السّم أو أيضاً السماء الغائمة.
 “كأنَّ البخار يحجب نظرتك؛
عينك الغامضة (أهي زرقاء، رمادية أم خضراء؟)
على التوالي رحيمة، حالمة وقاسية،
تعكس فُتورَ السّماء وشُحوبها.”
المصدر: GEO.