تاريخ {كارتييه} يحتفي بالفن الإسلامي

ثقافة 2024/07/10
...

 سارة مايسي
 ترجمة: شيماء ميران

مؤخرا.. استضاف متحف "اللوفر ابو ظبي" معرض "كارتييه"، بعنوان الإلهام الإسلامي للتصاميم الحديثة، مستكشفا كيف ألهمت الجوانب المختلفة للتصميم الإسلامي الدار الفرنسية الشهيرة.
تحتل الدار مكانة مرموقة في عالم المجوهرات الراقية والنادرة، بعد أن صممت قطعا من مواد نبيلة "كالذهب والماس والياقوت الأحمر والأزرق والزمرد". ومع أن المعرض كشف عناصر التصميم المظهرة لهذا العمل الرائع فهو ليس فرنسي الأصل، وإنما إسلاميا.
يدرس المعرض التداخل بين الموهبة الثاقبة للإبداعات الرائعة والدقة الأنيقة للفن الإسلامي. يقود مدير أعمال المعرض "جولييم اندريه"، البرنامج المعروض، ويوضح كيف أثر الفن الإسلامي على أعمال العديد من المصممين الاوروبيين في القرن العشرين، حتى إنه أثر على حركة "آرت ديكو".
يقول "اندريه": تعكس الصالة الأولى أجواء باريس مطلع القرن الماضي، حين بدأ الفن الإسلامي ودراساته تصل إلى العالم الغربي.
بعد أن اختفت الأعمال الفنية القادمة من الخارج وعلى نطاق واسع من المجموعات الملكية، بدأت الأعمال الفنية الإسلامية بالوصول إلى اوروبا وعرضها علنا لأول مرة أوائل القرن العشرين وسط بهجة الجمهور.
اجتاحت الأعمال الإسلامية المتطورة والمتقنة اوروبا، وأثارت سحرا لا يزال مستمرا إلى اليوم. ويوضح "اندريه": "لقد كانت عاملا مهما في تطور تعلم الفن الإسلامي حينها".
نُظم المعرض وعبر قاعات عدة نماذج لكلا الأنواع إلى جانب كشفه عن مرآة كانت حينها مذهلة. ويبين "اندريه" أن "المعرض قدم وجهة نظر أوسع عن وصول الأعمال الفنية الإسلامية وتأثيرها العميق عبر طرح طريقة جديدة للتفكير".

دقة ورصانة
نُظّم العرض أول مرة عام 2021 في باريس، ثم انتقل إلى دالاس ثم تكساس عام 2022، قبل رحلته إلى الإمارات. مع هذا، اُجري بحث جديد لاحقا يسلط الضوء على تداخل أكثر دقة، يقول "اندريه": لقد أجريت المزيد من البحوث لتوثيق كارتييه، وهذا هو جمال العمل معها، إذ أنها تملك أرشيف وتوثيق مبهر لكل ما تم انتاجه. إضافة لبحث متعمق عن مختلف التصاميم وكيفية انتاجها، ثم العوامل المؤثرة على انتاج كارتييه حينها. لقد مضت خمس سنوات من العمل في هذا المعرض، وتمت إعادة تشكيله بالكامل لصالح نسخة "أبو ظبي"، فأصبح معرضا جديد تماما.
لقد اثبتت التصاميم الإسلامية أهميتها بالنسبة لكارتييه بسبب الاتقان والرصانة للتكرار الهندسي واستخدام ألوان مختلفة. أدركت الدار أن الانضباط المحكم في هذا الفن جعله مثاليا لتتم ترجمته إلى وسيلة أخرى تتمحور حول الرصانة والدقة ألا وهي المجوهرات. ومن أمثلة هذه الأعمال، عصابة الرأس من كارتييه اورينتال التي تعود إلى العام 1911، المصنوعة من الماس، ولها شكل متعرج تتخلله خطوط مموجة من الأحجار الصغيرة.
يبدو أن هذه الزخرفة التي رآها لويس كارتييه، نجل مؤسس شركة "ألفريد كارتييه" قد اُخذت من حافات السجاد الفارسي. أما الرسومات على جانبي عصابة الرأس فتظهر محاولاته لإعادة تصميم الزخارف الكلاسيكية على قطعة من الطراز الغربي، إنها عملية عميقة بنحو مذهل.
في الوقت ذاته انعكس جزء من زخرفة السقف للمسجد الكبير في قرطبة باسبانيا وبتصميم هرمي متدرج، والتي تعود إلى القرنين الرابع عشر والخامس عشر، على تاج كارتييه الماسي والزبرجد المعروض. كما تُعرض قطعة من الفسيفساء الفارسية من الفترة الزمنية ذاتها بجانب علبة سكائر كارتييه التي تعود إلى الثلاثينيات والمنقوشة بالزخرفة الزرقاء والفيروزية ذاتها، والتي أصبحت اليوم بتصميم متسلسل بحافات ذهبية.
إعادة صياغة الفنون الإسلامية
لقد انبهر العديد من أفراد عائلة كارتييه بالمنطقة، حتى أن "جاك كارتييه" نجل ألفريد جاء إلى الخليج عام 1912 بحثا عن لآلئه الشهيرة، وقد عُرضت صور رحلاته إلى الهند والشرق الأوسط في المعرض. بينما "جاك وهنري كارتييه" كانا من هواة جمع الأعمال الإسلامية، فإن "جين توسان" مدير المجوهرات الراقية منذ الثلاثينيات وحتى السبعينيات قامت بتوسيع التأثير ليشمل قطعاً من الهند.
انتشر استخدام اللون الأزرق خلال تلك الفترة، حتى أن إحدى غرف المعرض امتلأت بصور مساجد مزينة بنحو معقد بالبلاط الأزرق، ما يوفر خلفية لخزانة من كنوز كارتييه بذات اللون المبهر. يقول "اندريه": لقد تأثرت المواد بالفن الإسلامي أيضا، إذ اُعيد صياغتها باستخدام أحجار اللازورد والفيروز شبه الكريمة، وهي قريبة مما نراه اليوم في الهندسة المعمارية الأصيلة. كما أن الأنماط الهندسية لم تكن وحدها مثيرة للاهتمام، بل الأنماط الزهرية أيضا تمثل توسعا في مجالات الفن الإسلامي، وخاصة في مدينة ازنيق التركية، حتى أوراق الشجر ذات الشكل النموذجي جدا في المجوهرات فقد أعاد صياغتها كارتييه.
تطلّب حجم المعرض الكبير من فريق "اللوفر أبو ظبي" دعوة العديد من المؤسسات وجامعي الأعمال الفنية من القطاع الخاص لجمع كنوز حقيقية، ومنها القطع المعارة لمتحف الفنون الزخرفية ومجموعة آل ثاني القطرية ومجموعة آل الصباح من الكويت. وما يثير الاهتمام ويجعل هذا المعرض مهما، والذي اكتشف في البحث الجديد، بأن العديد من الأعمال الفنية التي يملكها "هنري وجاك كارتييه" اُعيدت إلى هنا من أجل هذا المعرض. كما أن عشرة بالمئة تقريباً من الأعمال الفنية المعروضة فيه إسلامية، خلافا للنسخة السابقة. إذ يضم 420 قطعة تقريبا ،منها 42 قطعة من الفن الإسلامي.
كما يوجد في المعرض مثال جيد للخط المنقوش على لوحة خشبية، مزين بعاج فرس النهر، ويُعتقد أنها جزء من باب تعود لسلطنة المماليك في مصر "1250 - 1517".موضحا: هذه القطعة بالأخص مثيرة للاهتمام لأنها تعود إلى متحف "اللوفر ابو ظبي"، إذ تضم أعمالا من مجموعتها الخاصة في المعرض، وعُرضت هذه القطعة في أحد اوائل المعارض للفن الإسلامي في الغرب والذي نُظم بباريس في متحف اللوفر عام 1903.
يشير "اندريه" إلى أن الجمال المبهر للمجوهرات والأواني الزجاجية والأعمال المعدنية والسيراميك المعروضة يعطي نظرة ثاقبة لتاريخ المجوهرات الراقية واِلهاماتها غير المعدودة.

عن ناشينال نيوز