محمد حسن الساعدي
منذ خروج الإمام الحسين من المدينة المنورة والأحداث تتوالى وتتزايد، فكلّ محطة من محطات سفره فيها قراءة ووقوف جدي نستشعر من خلالها دقة وعظمة أبي عبد الله في رحلته التي هي ليست مجرّد حادثة تاريخية وقعت في تاريخ المسلمين ثم انتهت، وحينئذ فلا نحتاج إلّا أن نقيّم نهضة الإمام الحسين (ع) للإطاحة بعرش الطاغوت من ناحية مسؤوليته ونقف عند ذلك، وإنّما نعتقد أنَّ ثورة الحسين (ع) وحركته قضية تتجدد على مرّ العصور والأيام، فقد كان خطاب الإمام الحسين شموليًّا تبعاً لحركته، فقد خاطب فيها العبد والسيد، وجاهر بخطاب الاعتدال والوسطية وناهض العبودية والاستعباد التي مورست ضدّ المواطن والمجتمع عموماً إبّان حكم معاوية والتي اتسمت بالدموية.
خطاب الإمام الحسين اتسم بأنه نادى بالوطنية والتمسك بالمبدأ، وعدم الركون إلى الظالم، إضافة إلى أنَّ أبا عبد الله لم يقصد من ثورته على الحكم تغيير يزيد بالذات; لأنه هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي، فتكون ثورته ثورة قبلية كما يصوّرها البعض ويعتقد بأنَّ الخصومة بين الهاشميين والأمويين مستمرة منذ قرون قبل الإسلام وبعده، ولهذا خرج الإمام الحسين (ع) وعلّل ثورته على حكم يزيد في بعض خطبه وبياناته، ويتضح ذلك جلياً ممّا جاء في الوثيقة، التي خاطب بها الحسين عليه السلام أمام أول كتيبة للجيش الأموي: "أيها الناس! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحُرم الله، ناكثاً لعهده، مخالفاً لسنة رسوله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر ما عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله".
ما حدث في واقعة كربلاء فظائع ومآسي أصبحت في ما بعد أساساً لحزن عميق في اليوم العاشر من شهر محرّم من كلّ عام، إذ أحاطت خيول بني أمية بالإمام الحسين وأتباعه، وكان بوسع الحسين أن يعود إلى المدينة لو لم يدفعه إيمانه الشديد بقضيته إلى الصمود ففي الليلة التي سبقت المعركة بلغ الأمر بأصحابه القلائل حداً مؤلماً، فأتوا بقصب وحطب إلى مكان من ورائهم فحضروه في ساعة من الليل، وجعلوه كالخندق ثم ألقوا فيه ذلك الحطب والقصب وأضرموا فيه النار لئلا يهاجموا من الخلف.. وفي صباح يوم العاشر قاد الإمام الحسين أصحابه نحو الخلود والتضحية، وهو يمسك بيده سيفاً وباليد الأخرى القرآن.
لقد أثبتت ثورة الإمام الحسين أنَّ النفس أغلى ما يمكن التضحية بها من أجل الدين والمبدأ، لذلك كان شعار أبي الأحرار منذ لحظة خروجه هو رفض الظلم وطلب الحرية والمساواة، لذلك لم يخرج الإمام الحسين (ع) على شخص يزيد حتى لا تحسب أنها نزاع وثأر عشائري بين بني هاشم وبني أمية ولكنه كان خروجاً على الدولة الفاسدة التي استحلت دماء الأبرياء وهتكت حرمهم، وهجرت الأسر، حيث بلغ عدد الأسر المهجّرة من الكوفة إلى خراسان أكثر من 125 ألف أسرة موالية لأهل البيت (عليهم السلام)، إضافة إلى الملاحقة لأنصار الحسين قبل دخوله الكوفة ما جعل الوضع الأمني في الكوفة في حالة فوضى وعدم استقرار.
توالت قضية الإمام الحسين (ع) جيلاً بعد جيل وحملتها الأجيال أمانة في أعناقها ففي كل عام يسعى الموالون لأهل البيت (ع) إلى تجديد العهد والعزاء والثبات على مسيرة ونهج أبي عبد الله، ذلك النهج الذي كانت وما زالت المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف تؤكد عليه ووضعت مبادئ متينة للتعامل مع هذه الفاجعة، ولإحياء العزاء نبهت إلى ضرورة:
1. الركون إلى القرآن الكريم في الخطاب كونه دستور المسلمين ويحدد العلاقة في ما بينهم ويحكم تصرفاتهم.
2. الاهتمام بالعقيدة الحقة ودلائلها المحكمة من أدلة قوية ووجدانية بأساليب تكون قريبة من الفهم العام.
3. الاهتمام ببيان التعاليم والقيم الفطرية الإلهية السامية والإنسانية المتمثلة بدعوة النبي وعترته الأطهار والاحتذاء بهم كونهم الأسوة والقدوة.
4. الالتزام بوصايا أهل البيت والعمل بها.
5. أن يكون الخطيب على حذر في تبيان العقائد الإلهية ومسلمات أهل بيت العصمة بشأن مقاماتهم الشريفة من أن يوهن أهمية الطاعات ويهون المعاصي في أعين الناس.
6. تجنّب كلّ ما يثير الفرقة بين المؤمنين والاختلاف فيهم والاهتمام بالحفاظ على وحدتهم وتآزرهم والتواد بينهم.
7. تجنّب القول بدون علم وبصيرة فإنَّ ذلك محرم في الدين.
8. التأكيد على المعاني التربوية في الخطاب وأن يعكسوا تعاملهم الشخصي مع العوام.
9. أن تتطابق خصال وسريرة الخطيب مع توصيفاته.
10. أن يتصف الخطيب باللياقات الملائمة لهذه الوظيفة الشرعية.
11. أن يهتم الخطيب بنقد نفسه، ممحصاً لأقواله وأدائه بين الناس.
12. أن يجعل الخطيب الخوف من الله نصب عينيه ويستحضر رقابته عليه وأن يسعى إلى رضاه وقبوله.
مازالت وستبقى ثورة الإمام الحسين (ع) تعيش بأوجها، وعلى الرغم من ولادتها يوم العاشر من محرّم لسنة 61هـ إلا أنها ظلت تعيش في وجدان الأمة الإسلامية، وأصبحت شعلة تنير درب الأحرار في كل مكان، وإنَّ الاستعمار وأذنابه في بلاد المسلمين يشنون هجوماً واسعاً وحرباً شعواء ضد أهداف ثورة الإمام الحسين (ع)، وهم يعلمون أنَّ ثورته (عليه السلام) هي القلعة الوحيدة الصامدة لأي تمنع أو انحسار للمبادئ الإسلامية أو تقدم الاستعمار مع أنَّ حربهم لا تستند إلى دليل معين، وإنما تنتهز كل حقّ وباطل لضرب هذه الثورة المقدسة، فمرّة تستدل بالآراء الشاذة لبعض المؤلفين، والذين أمسوا أذناباً للاستعمار وأهدافه في ضرب الدين المحمدي الأصيل.