- 1 -
يتوفَّر العقل على إمكان التَّساؤل، متى كان يتوفَّر على ضرب من ضروب الحُرِّيَّة، من جهة كونها حدا من حدود ماهيَّتِهِ. كما تتوفَّر الحُرِّيَّة، على مستوى التَّفكير، على إمكان الفهم الذي من شأن كل الأشياء في العالَم. ومن بَعدُ، يتوفَّر العالَم، وتتوفَّرُ العالَميَّة، على ما يجعل من المرء مفكِّراً بالتساؤل.
ولكن، عن أي نوع من التَّساؤل، والمتسائل، نتساءلُ؟ إنَّنا نذهب مباشرةً إلى التَّساؤل من جهة كونه كذلك. أي مجرَّداً عن كل ما يمكن أن يعلق به، أو كان قد علق به؛ التَّساؤل مفصولاً عن علاقاته بكل ما يرتبط به، لهو التَّساؤل المحض، أو التَّساؤل في صورته الخالصة.
- 2 -
يشير التَّساؤل المحض إلى مضمون من مضامين فهم الأشياء في العالَم. كما يشير، كذلك، إلى منظور من منظورات فهم الأشياء في العالَم. وعلى هذا النحو، هو يدلُّنا إلى أنَّ الأشياء في العالَم لم تُفهم بعدُ كفايةً.
لذلك، إنَّنا نتساءل بقدر ما لم نكن من قِبَلِ قد تساءلنا. أي إنَّنا أمام تساؤل لا يمكن أن يكون قائماً، أي مقوَّماً على نحو ما، إلاّ متى توفر شرط الإمكان الأصليّ في غيابه دائماً قَبْلِيَّاً. في هذا المعنى، إنَّ التَّساؤلات القديمة هي إجابات جاهزة، مهما كانت مضامينهاContents ، ومنظوراتهاPerspectives، تدَّعي الاختلاف والتعدُّد والتنوع.
- 3 -
يبدو لنا، نحن البشر، أن التَّساؤل يُقدِّمُ نفسه بنفسه في الأمام، ولا يتطلَّب منا إلاّ التقاطه والعمل، بأسرع وقت، على العثور على إجابة، وإجابات له. كما، يبدو لغالبيتنا الساحقة، أن التَّساؤل، متى تم اللقاء به، هو ليس أكثر من جملة المجهول، والمعلوم، والمُحيِّر، معاً جمعاً مجموعاً. ولكنَّهُ، في الحقيقة، التَّساؤل أكثر من ذلك بكثير. فما هو إذن، من جهة كونه يتفحص الأشياء في العالَم؟
- 4 -
إنَّ التَّساؤل إنَّما هو يكشف الأشياء في العالَم في ضرب من ضروب مجهوليَّتِها. ومن جهة أن التَّساؤل كاشفٌ فهو تعدُّدٌ. إنَّه تعدُّد بوصفه هو يأتي إلى مستوى الفكر، والتفكير، والتفكر، ضابطاً لها. فإذا كان الفكر يتوفَّر على [موضوع- التَّساؤل- بعامَّةٍ]، فإنَّ التَّفكير يوفِّرُ [موضوع- التَّساؤل- بخاصَّةٍ]، وإنَّ التفكُّرَ يكشف [موضوع- التَّساؤل- في- حقل- موضوعيَّته].
- 5 -
التَّساؤل، والحال هذه، بوصفه الكاشفَ الذي يتيح لماهيَّة الأشياء في العالَم أن تأتي إلى مستوى فهمها، لهو الفهم المؤجل إلى البَعْديِّ Posteriori، دائماً قَبْلِيَّاً.
وعلى ذلك، لا ثَمَّ تساؤلاً، ولا ثَمَّةَ تساؤلاتٍ، إلاّ من جهة أنها تذهب إلى الأشياء-الموضوعات في العالَم بوصفها إشكاليَّةً، وإشكاليَّتيَّةً. أي بوصفها تتوفَّر، داخلها، على التعدُّد والاختلاف والتنوع في مضمونها النظريّ، ومنظورها النظريّ، اللَّذَيْن يذهبان، [في- كُلِّ- مَرَّةٍ]، إلى بناء الفهمِ The Understanding Construction بها.
إنَّه، وفقاً لذلك، علينا أن نستجلي ماهيَّة التَّساؤل ضمن التوقف في أربع محطات للفهم:
1 - التَّساؤل بوصفه عمليَّة بناء مضمون ومنظور، ضمن حقل الاختلاف والتعدُّد والتنوع،
2 - التَّساؤل بوصفه يتوفَّر على موضوعٍ هو لا يأتي إلى مستوى الفهم، إلاّ بتخصيصهSpecification،
3 - التَّساؤل بوصفه لا يُقدَّمُ جاهزاً في الفكر، ولا يمكن أن يُلتقط من [اليوميَّة]،
4 - التَّساؤل بوصفه يفتح أفق الفهم إزاء العالَم [في- كُلِّ- مَرَّةٍ].