رضا المحمداوي
أرجأت طرح ومناقشة موضوع عيد السينما العراقية السنوي الذي غاب هذا العام تماماً عن الشاشة ولم يشهد أية فعاليات أو نشاطات سينمائية خاصة بهذا اليوم، وآثرت انتظار الموقف النهائي لدائرة السينما والمسرح باعتبارها الجهة الفنية الرسمية الوحيدة المعنية بهذه المناسبة أو في أقل تقدير الحصول منها على بيان أو توضيح أو تنويه عن أسباب هذا الغياب.
وكنتُ أتوقعُ أن تقوم الدائرة المعنية بالإعلان عن إقامة حفل أو مهرجان أو أيّة فعالية في أيام أخرى، لكنَّ الأيام مرَّت، وانقضت المناسبة السينمائية السنوية من دون عذر أو اعتذار.
وكانت دائرة السينما والمسرح قد دأبت على إقامة المهرجان السينمائي السنوي أو ما عُرفَ بـ(أيام السينما العراقية) في حزيران من العامين الماضيين على وجه التحديد، وذلك اعتماداً على تاريخ 22 حزيران 1955 وهو تاريخ عرض الفيلم العراقي "فتنة وحسن" الذي عد رسمياً هو عيد السينما العراقية، متجاهلةً بذلك تواريخ سابقة شهدت عرض أفلام عراقية ومنها فيلم "ابن الشرق"(1946)، وفيلم "عليا وعصام"
(1949).
وأحسبُ أن غياب الاحتفال الرسمي بعيد السينما العراقية السنوي لهذا العام بوصفه خللاً تنظيمياً وتقصيراً إدارياً في جانب الاهتمام بأجندة السينما العراقية، يعد خير مناسبة للإعلان عن حاجتنا الماسة للمراجعة النقدية والتقويم والتقييم لواقع السينما لدينا، ومحاولة البدء بتصحيح مسارها الفني الذي يعاني من العديد من مظاهر الاخفاق والتعثر وعدم وضوح الرؤية لدى الجهات الحكومية العليا صاحبة القرار الثقافي وكذلك لدى الجهات المعنية بالإنتاج
السينمائي.
الجانب الكبير من أزمة السينما لدينا يتمثل في قلة الإنتاج السينمائي وشحة الميزانيات الإنتاجية المخصصة للأفلام مع ما يرافقها أحياناً من سوء الاختيار والتخبط في تناول الموضوعات ومعالجتها، وهذه القلة والشحة الإنتاجية قادتْ إلى محدودية النوع السينمائي المنتج سنوياً والمقتصر على الفيلم الروائي القصير وبعض أفلام الرسوم المتحركة(الأنيميشن)
مع عدم وجود خطة إنتاجية جادة في معاودة إنتاج الأفلام الروائية الطويلة التي نريد لها أن تكون حاضرةً وتحمل معها الملامح البارزة والمُميّزة للسينما العراقية لتخوض غمار التحدي
في الميدان الحقيقي للسينما حيث التواجد والحضور في صالات العرض الجماهيري ومواجهة شروط ومتطلبات شباك التذاكر، وهذا الأمر يتطلب إعادة النظر بالمواصفات الواجب توفرها للأفلام المرشحة للإنتاج السينمائي وتحديد "الجدوى"، أو "الحاجة"، أو "الضرورة الفنية"، أو "الغاية" من وضع هذه الأفلام في الخطة
الإنتاجية.
وقبل هذا كله دعونا نتساءل:
-هل لدينا طموح فني أو نيّة صادقة، أو تخطيط مبدئي أو خطة إنتاجية جادة واضحة ومحددة لمشروع السينما العراقية المستقبلية أَم إننا نبقى في إطار الفعاليات والأنشطة والمناسبات السينمائية والتي غالباً ما تأتي في صورة "اسقاط فرض"، أو "تسجيل حضور" ليس إلا والذي لا يحمل معه مقوّمات أو مرتكزات العمل السينمائي المؤسساتي الذي يتبنى الشروع بالبناء والتأسيس لسينما مستقبلية تحلم بها وتطالب بها الأجيال
الفنية الحالية والمقبلة؟
سقف الأحلام العالي
إنَّ غياب فكرة المشروع السينمائي العراقي الجديد ليس وليد السنوات القليلة الماضية، لكنه كان مشروعاً غائباً طوال السنوات العشرين الماضية التي أعقبت الاحتلال الأميركي للعراق وسقوط النظام الصدامي عام 2003، ولا تخفى أسباب ذلك فثمة جهل ثقافي أعمى ونظرة فنية متخلفة وقاصرة في النظر لهذا المشروع وتقصير واضح في البدء ووضع اللبنات والأسس والركائز الفكرية المؤسسة له، فضلاً عن تقاعس وكسل وخمول يحولُ دونَ العمل على تأسيسه من خلال وضع الخطط والآليات الإنتاجية الكفيلة بتحقيقه داخل منظومة العمل السينمائي الميداني. وفي حال التفكير بمثل هذا المشروع والعمل على تحقيقهِ ضمن خطة سينمائية مستقبلية طموحة، فينبغي أن يتزامن ذلك مع البدء ببناء ووضع الهيكل الإداري والتنظيمي الجديد لـ(مؤسسة السينما)والذي يتناسبُ مع متطلبات المشروع السينمائي الكبير، أما إناطة تحقيق وتنفيذ مثل هذه الأفكار والتصورات بدائرة السينما والمسرح نفسها مع هيمنة وطغيان الهوية أو الصبغة المسرحية على هذه الدائرة والوجود الإداري الضعيف والهامشي لـ "قسم الإنتاج السينمائي والتلفزيوني" فيها مع التغيير الدائم والتعاقب المستمر للمديرين التنفيذين له، فإن ذلك لا يجدي نفعاً وستبقى النتائج المتحققة أقلّ بكثير مما نطمح له أو نصبو إلى تحقيقه، ذلك لأن "قسم السينما" بتوصيفه الوظيفي داخل هيكل الدائرة المختصة لم يثبت وجودَه الفني المؤثر طوال السنوات العشرين الماضية، ولم يطرح أيّة تصورات أو رؤية إنتاجية مستقبلية فاعلة وذات طموح فني في المشهد السينمائي العراقي.
أفلام وتوقعات
وأجدُ أن طرح ومناقشة هذه الأفكار والتصورات والرؤى السينمائية الطموح للسينما العراقية يأتي منسجماً ومتوافقاً مع طموحات وأهداف دائرة السينما والمسرح نفسها في سقف أحلامها العالي الذي ترنو إليه، فقبل مدة قصيرة وأثناء حضوره فعاليات مهرجان "كان" السينمائي، أعلن الدكتور جبار جودي المدير العام لدائرة السينما والمسرح عن "توأمة" أو تنسيق أو تعاون فني بين دائرته الفنية وإدارة هذا المهرجان الفرنسي الشهير. وضمن هذه الأجواء الايجابية كانت دائرة السينما والمسرح قد أعلنت عن تشكيل لجنة سينمائية لغرض تقييم الأفلام العراقية المُنتَجة وترشيح أحدها للفوز بإحدى جوائز(الأوسكار)الأميركية الشهيرة.
فضلاً عن وجود مناسبتين فرضتا نفسيهما على الوسط السينمائي لدينا في المدة الأخيرة، هما: المنحة المالية التي أعلن عنها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وقدرها (5) مليارات دينار مخصصة لإنتاج الأفلام السينمائية، أمّا الثانية فتتمثّلُ في إعلان دائرة السينما والمسرح عن البدء بتسلم النصوص السينمائية لغرض إنتاجها ضمن الخطة الإنتاجية لهذا العام.