المشكلة السومريَّة وعلاقة الأكديين بالعرب

منصة 2024/07/23
...

 كربلاء: الصباح 

ألقى الشاعر والباحث صلاح السيلاوي محاضرة بعنوان "قراءة في المشكلة السومريَّة وعلاقة الأكديين بالعرب" على قاعة اتحاد أدباء كربلاء عبر أمسية أدارها الشاعر نبيل نعمة وحضرها جمهور الأدب والثقافة في المدينة.


أشار مدير الجلسة في بدايتها إلى أنّه وعلى مدى سنوات ثلاث تابع بشغف الطريقة التي يفكر بها السيلاوي في اعادة قراءة التاريخ، مقلّبا الكتب متصفّحا الآراء يقدم الاستفهامات والأسئلة قبل الأجوبة، يستكشف مرة ويكتشف مرة، يرمي الأحجار في بركة الحياة مخلفاً هذا الصخب، ثم تحدث نعمة عن موضوعة المحاضرة قائلاً: محاضرة السيلاوي تتعلق بالسومريين هذا المصطلح أو المسمّى الذي ما ان يذكر حتى تتقدمه مجموعة من التساؤلات والنقاشات التي تدور حول أصل السومريين والمكان الذي جاؤوا منه، وماهية لغتهم، ونظامهم الديني وإشكالات أخرى تتعلق بالكتابة وصولاً لاختفائهم أو ذوبانهم بين الاكاديين أو البابليين إلى يومنا هذا.

ابتدأ السيلاوي محاضرته، مشيراً إلى عدم توفر أدلة نصيَّة تدل على وجود السومريين بوصفهم أقواماً، وأن المختصين يشيرون إلى اللغة السومريّة كدليل وحيد على وجود السومريين، وأن هذا الدليل لا يكفي مقارنة بما وجد من أدلة تخص الاكديين بشقيهم الآشوري والبابلي. 

وأضاف السيلاوي متحدثاً عن ماهية المشكلة السومرية وآراء لبعض المختصين فيها بقوله: يشير الدكتور نائل حنون في كتابه (حقيقة السومريين) وهو مختص في مجال اللغتين الاكدية والسومرية إلى أن العلماء الذين اكتشفوا اللغة السومرية انقسموا إلى من يعتقد أنّها لغة أكدية سرية أو شعائرية ومن يعتقد انها لغة يتحدث بها قوم هم (السومريون) وقد ساد الرأي الأخير على يد الآثاري صموئيل نوح كريمر العالم الروسي الأصل الحاصل على الجنسية الاسرائيلية بعد أن هاجر إلى اميركا عام 1916، وتتمثل المشكلة بأن سكان بلاد الرافدين الذين عاشوا بحدود الألف الرابع والثالث قبل الميلاد سمّي جميعهم بالسومريين بسبب اكتشاف اللغة السومريّة ثمَّ وبسبب غرابة هذه اللغة وعدم تشابهها مع اللغات الجزيرية كالاكدية ولهجتيها، ذهب بعض المختصين الى أن السومريين قدموا من بلاد أخرى لا يعلم مكانها، لأن اللغة السومرية لم تتحدث عن مجيء هذا الشعب من مكان آخر، ثم يذهب بعض المختصين إلى أن الاكديين استولوا على الحكم في بلاد الرافدين في الألف الثاني قبل الميلاد ولم يبق من السومريين باق، ومن تفاصيل هذه المشكلة هو عدم اكتشاف أي اثر لموطن آخر جاء منه السومريون، ولا موطن ذهبوا إليه بعد اختفائهم، ولا أثر لإبادتهم وهذا ما يسمى بالمشكلة السومريَّة.


بدايات اكتشاف المسمّاريات

تقول مصادر متعددة أن أول بدايات انتباه المعنيين لهذه اللغة كان من سفير اسبانيا والبرتغال في بلاد فارس آنذاك في القرن السابع عشر وهو انطونيو دي جويكا وقد نشر كتاباً عام 1611 وسار على خطاه في ذات المنصب السفير دون جارسيا سيلفا فيجورا الذي نشر كتابا هو آخر أشار فيه إلى اختلاف النقوش الموجودة على المنحوتات هناك عن العربية والفارسية واللغات المتداولة في الجزيرة العربية، وبقيت المحاولات مستمرة الى أن تم الاكتشاف عام 1857، إذ قرأ لأول مرة الخط المسماري باللغة الآشورية، ثم بالبابلية ليتم بعدها اكتشاف أن اللغتين المذكورتين ليستا سوى لهجتين من اللغة الأكدية، ثم تم اكتشاف اللغة السومرية. جاء ذلك كله بفضل اكتشاف مكتبة آشور بانيبال التي تعود إلى تاريخ (668 الى 627) قبل الميلاد، والمهم في هذه المكتبة أن الملك آشور بانيبال كان قد استنسخ كثيراً من النصوص المسماريَّة التي توجد في مناطق متعددة وان هذه المكتبة احتفظت بنصوص لها علاقة بأزمان كثيرة.


عمر اكتشاف المسماريات 

وذهب المحاضر إلى الحديث عن أهمية النظر إلى عمر اكتشاف المسماريات بقوله: عندما نتحدث عن اكتشاف اللغتين الاكدية بلهجتيها الاشورية والبابلية واللغة السومرية فإننا نتحدث عن زمن لا يتجاوز 170 عاما وهو زمن يحتاج إلى كثير من الفحص والتأكد فأنت في هذا الزمن تكتشف لغات جديدة ثم تعمل على السعي البدائي لفك رموزها ووضع قاموس لهذه الرموز، بعد ذلك على المختصين ان يكتشفوا اصحاب هذه اللغات ويفهموا طبيعة حياتهم من خلال فك رموز لغاتهم والبحث في طبيعة آثارهم المكتشفة على الأرض من قصور ومنجزات مختلفة وهذا موضوع صعب للغاية. 

 أول من اكتشف اللغتين الاكدية والسومرية ووضع لها قاموسها هم علماء ليسوا عربا أو على الأقل هم ليسوا أبناء الجزيرة العربية، فهم لم يتوارثوا اللسان الجزيري والتراث المعيشي ولم يشتركوا مع أهل حضارة الرافدين بالعيش على أرض تمتلك حيوات وبيئة ثقافية وجغرافية ما زالت تمتلكها حتى الآن، ولهذا برأيي فإنّ ترجمتهم للنصوص تحتكم إلى ما يمتلكه لسانهم من قدرة لفظيّة ولهذا فهم لا يستطيعون أن يتخيلوا أن الرافديني القديم كان يمكن أن يكون قد تلفظ الطاء والعين والحاء والخاء والقاف والظاء والضاد، وإن تخيلوا فهم لا يستطيعون ترجمة هذه الحروف الى الالمانية أو الانكليزية أو الفرنسية، وهذه مشكلة كبيرة إذا ما عرفنا أن كثيرا من المختصين بما فيهم الأستاذ طه باقر ترجموا نصوصاً مهمة اعتمادا على ترجمات الألواح باللغة الانكليزية أو الالمانية ككتابه (ملحمة جلجامش). 


علماء المسماريات وآراؤهم 

 وعن أهم علماء المسماريات قال السيلاوي: إنَّ أكبر علماء المسماريات الذين شاعت على يدهم فكرة وجود الشعب السومري هو صموئيل نوح كريمر على الرغم من وجود علماء آخرين، ومنهم أحد رواد المسماريات الإيرلندي إدوارد هنكس والفرنسي باول أميل بوتان، وقد اعتقد هنكس أن سكان بلاد الرافدين اقتبسوا هذه اللغة من أقوام آخرين لتدوين لغتهم لأنّ ذلك التدوين لا يتشابه مع اللغات السامية فيما يخص الحروف الصامتة والصائتة برأيه. 

ويذهب السيلاوي في جزء آخر من محاضرته إلى التأكيد على رأي عالم الاثار العراقي الدكتور نائل حنون بمُؤلف كتاب (السومريون) صموئيل نوح كريمر بقوله: يرى حنون أن كريمر خالف أصول البحث وذهب إلى التأكيد على وجود الشعب السومري وتخلف الاكاديين والشعوب العربية القديمة ووجود صلة دم بين السومريين والعبرانيين وانه كان يترجم كلمات مثل kalam التي تعني بالسومريّة الاقليم أو السهل أو البلاد إلى (سومر)، وأنه كان يحاول دائماً ان يظهر ترجماته بمعنى الشعب السومري، مثلما ترجم جملة سومريّة تعني (سود الرؤوس) بـ (الشعب السومري). 

وقال السيلاوي أيضا: يشير حنون بوضوح في كتابه حقيقة السومريين إلى أن بلاد سومر واكاد لا تعني ثنائيّة قوميّة ولا ارتباط بأرض معينة بل هي قومية واحدة وشعب واحد يفترض المنظرون حسب حنون أن السومريين هم من استوطنوا الجنوب وان الاكاديين في الشمال، وأن الاكاديين هم من أخذوا السلطة من السومريين لتكون لاحقا الاكادية هي البابلية ذاتها، بينما لا يوجد ما يؤكد أن ثمة حروباً قامت بين السومريين (المفترضين) والاكديين على الرغم من أن الرقعة الجغرافية تحتمل صراعاً على السلطة ويذهب حنون الى ان الاكاديين اخترعوا اللغة السومرية التي هي لغة مقطعيّة وأنها تطور طبيعي للصورية والرمزية ولكنها لا تصلح للتخاطب كلغة مدوّنة ولهذا جاءت الاكدية كتطور لاحق للسومرية ويرى حنون من خلال بحثه أن بعض المفردات والمقاطع الصوتيّة وضعت في منتصف الاف الثاني الى منتصف الالف الاول قبل الميلاد وهذا يعني أنّها وضعت في الزمن الذي يفترض اختفاء السومريين فيه، وهو ما يؤكد أن من وضع هذا هم الاكاديون أنفسهم، ويدل هذا أيضاً على إمكانية ان يكون الاكاديون هم من وضع السومرية بالنهاية، فهو يؤكد عدم انقطاع الكتبة الاكاديين عن التدوين بالسومرية الى جانب الاكادية، فقد كتب الاكاديون نصّاً في القرن الاول الميلادي باللغة السومرية. 


أدلة انتفاء السومريين ووجود اللغة 

وتحدث المحاضر عمّا يقدمه الدكتور نائل حنون من أدلة على انتفاء وجود السومريين بوصفهم أقواماً، مبينا: يرى حنون أن وجود اسماء باللغة السومرية لأشخاص لا تعتبر دليلا على وجود الشعب السومري، مثل ما يشير في ما يخص انخيدوانا الاديبة التي كانت تكتب باللغتين السومرية والاكادية، ويشير البعض الا انها سومرية بدلالة كتابتها باللغة السومرية بينما هي ابنة سرجون الاكدي فهل يعقل هذا؟، ويضرب حنون مثالاً آخر عن سلالة أور الثالثة التي حكمها خمسة ملوك، كلٌّ خلف أباه في الحكم فمثلاً  أور نمو وشلجي فقد حملا اسمين سومريين، أما ابن شلجي امار سين او بور سين فقد حمل اسما اكاديا بينما حفيده شو سين حمل اسما سومريا. 


علاقة الاكديين بالعرب 

ثم تحدث السيلاوي في جانب آخر من محاضرته عن علاقة الأكاديين بالعرب فقال: يؤكد الدكتور جواد علي في كتابه (المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام) أن أول نص ورد فيه ذكر العرب كان عند الاشوريين على لسان الملك الاشوري شلمنصر الثالث وهو يتحدث عن مملكة او مشيخة عربية ملكها جنديبو تقع في بادية الاشوريين آنذاك إذ يتحدث في نص له عن انتصاره على مجموعة من الاقوام ومن ضمنهم جنديبو، وتذكر لفظة العرب بوصفها قومية. ويرى أن الاشوريين كانوا يقصدون بكلمة عربي كلما لفظت بداوة ومشيخة تحكم في البادية، كما وردت حسب جواد علي في الكتابات البابلية (ماتواربي) التي تعني أرض العرب أو أرض الاعراب، وفي النص الفارسي المكتوب باللغة الاخمينية (اربايه)، يقول المصدر نفسه أن مراد البابليين والاشوريين والفرس من (العرب) أو (بلاد العرب) البادية التي تقع الى غرب الفرات الممتدة الى تخوم بلاد الشام. 

وهنا أتساءل هل يعقل ان يسكن العرب في البادية فقط ويسكن أقوام آخرون تارة يكونون بابليين وآشوريين وسومريين، بينما عبر كل هذه الفترات يبقى العرب هم من يسكن هذه البادية على الرغم من أن أرض هذه البادية متواصلة طبيعياً مع أرض العراق جميعا إذ لا جبال ولا بحار ولا موانع طبيعية أخرى تمنع تواصل هذه الأقوام السومرية والعربية أبدا، إلا الانهار التي كان السومريون والبابليون والاشوريون على ضفافها، التساؤل الاخر أليس كل الشعوب التي تعيش في ارض ريفية وصحراوية خصبة وجرداء يكون بعض اقوامهم بدواً رحّلاً وبعضهم الآخر فلاحين يسكنون الارياف ومتمدنين يسكنون المدن لماذا هذا المثال غير صالح على الرافدينيين؟. 

التساؤل الآخر، هو لماذا ما زال العرب في جميع المدن العراقية من الموصل حتى البصرة يصفون البدوي بالعربي، فيمكن ان يسألك احد ما عن البدوي فتقول بلهجتك الدارجة هذا (عُرْبي)، وما زال من يذهب من أهل المدن العراقية الى الارياف يقول (رايح للعرب) ألا يمكن أن يكون البابليون عربا ولكنّهم يفرقون بين العربي الذي يعيش في المدينة عن البدوي بنفس الطريقة؟ 

وذهب المحاضر الى ذكر العرب في التوراة في سفري إشعياء وإرميا ثم تكلم عن خريطة وجود العرب الى جانب الاكاديين في أمكنة وأزمنة واحدة متسائلاً عن الأسباب التي لا تدفع العربي لتأسيس حياة مدنية في ذلك الزمن الذي تتحدث فيه مصادر كثيرة عن أغلب المناطق الصحراوية في الجزيرة العربية في زمن الاكاديين على الرغم من عدم وجود موانع جغرافية لدخولهم المدن او اقترابهم من الأنهار. 

مؤكداً على الوجود العربي غير المشكوك فيه في القرن الخامس قبل الميلاد في سيناء واليمن وبادية العراق والشام وتيماء وغيرها. 

كما تطرق المحاضر إلى ذكر العرب عند المؤرخ اليوناني هيرودتس الذي كان يطلق كلمة (العربية) على جزيرة العرب وألفاظ أخرى تداولها اليونانيون والفرس مثل (سركوني) و(اربايه) و(تيايه). وذلك النقش الذي يعود الى الملك (امرؤ القيس بن عمرو)  الذي يعود تاريخه الى 328 ميلادي.  

وتحدث المحاضر أيضا عن علاقة الثموديين بالبابليين، وكيف أن الملك البابلي نابو نائيد قضى آخر عشرة أعوام من حكمه في مدينة تيماء التي كانت تحت ملكه وفيها قصر موجودة اثاره حتى الآن.

مارا بحديثه على النقوش الثمودية وما يقوله عنها المختصون وكيف انها تدل على علاقة او تواصل او غزوات بين البابليين والثموديين، مؤكداً وجود ذكر واضح للثموديين في إحدى نصوص سرجون الاكدي وهو يتحدث عن انتصاراته في معركة معهم، ويرجح بعض الباحثين أن جزءاً من تاريخ الكتابات الثمودية يعود الى القرن السابع قبل الميلاد وبعضها إلى ما هو أبعد من ذلك.