حرب المايكروسفت

قضايا عربية ودولية 2024/07/23
...

علي حسن الفواز



العالم لم يعد آمناً، هذا ليس شعاراً، ولا تهديداً لأحد، بل هو تصوير لما بات يجري في الواقع، وإلى ما يمكن عيشه في هذا الواقع من أخطار محتملة، ومن تهديدات جمّة، فما جرى في الأيّام الماضية بعد تعطيل برامج الحماية في المطارات والبنوك، كشف عن ذلك الخلل الأمني، وعمّا يشبه التخطيط لحرب سرية، قد يقودها قراصنة "هكرية" محترفون، أو أجهزة مخابرات دولية، أو حتى دول لها حساباتها في اصطناع هذه الحرب الفنطازية.

شركات عالمية وراسخة، لها ثقلها المالي والأمني وحتى "الكولنيالي" وقفت متفرجة على ذلك الخرق الذي أحدثته لعبة الحرب عليها، فشركات مثل "مايكروسف" و"كراود سترايك" فقدت قدرتها على التصدي للهجمات السبرانية على مصالحها أولاً، وعلى النُظم التي تتحكم بحركة الطائرات والمطارات في العالم ثانياً، وعلى حركة الرساميل العملاقة في البنوك الدولية ثالثاً، وكأنَّ صنّاع هذه الحرب يقولون: إنَّ العالم لم يعد بحاجة إلى جيوش جرارة، وإلى صواريخ فتاكة، وإلى وزارات للأمن والخارجية، بل إنَّ ما سيتحكّم به  مجموعة أزرار" وشطّار لهم القدرة على إعادة صياغة الوظائف الحاسوبية في سياق السيطرة على العالم، وعلى مفاتيح القوة الكبرى للرأسمالية ولنظامها الاقتصادي العملاق، وسلطتها الإيديولوجية المخادعة.

تعرية أنظمة الحماية السبرانية أمام هجمات "التهكير"، لا تعني سوى حدوث تغيير خطير في موازين القوى، وحتى في مفهوم القوة التي يمكن أن تتحكم بالعالم، فتوقف عمل المطارات، وإلغاء آلاف الرحلات من مطارات تحترم قواعد التزامها الدولي، يؤكد أنَّ ثمة أهدافاً سياسية، ونوايا أمنية تقف وراء تلك الأزمة التي فتحت الشهية للحديث عن أشكال الحروب المقبلة، وعن طبيعة "الجيوش" المتهاكرة التي ستخوضها عبر فرض قواعد اشتباك جديدة، وبقطع النظر عن المعالجات والإجراءات البديلة التي استخدمت في مواجهة ما حدث، فإنَّ الخطر سيظلّ عنواناً فارقاً، وتحدياً قائماً، وإنَّ احتمال حدوث كوارث جوية، أو عمليات سطو سبراني على البنوك الكبرى وارد، وهو ما يعني وجود تهديد حقيقي للمصالح الدولية، وحتى لنُظم الحياة التي تحتاج إلى كثير من قواعد الأمن الاجتماعي والسبراني، ولمسؤوليات التعاطي مع مفاهيم تتعلق فاعليتها بوظائف النظام الرقمي، وخطورة وقوعه تحت سيطرة جهات يمكن أن تجعله مصدراً للإرهاب والعنف بوصفته الجديدة.