كارينغتون: التحيز ضد السوريالية النسويّة

ثقافة 2024/07/28
...

 بقلم: جوناثان جونز
 ترجمة: كريمة عبد النبي

تستضيف قاعة دار نيولاندز في بيتورث بمقاطعة ساسكس في بريطانيا معرضا لأعمال الفنانة البريطانية ليونورا كارينغتون (1917-2011) وهي روائيَّة ونحاتة ورسامة سرياليَّة ولدت في بريطانيا، لكنها عاشت معظم حياتها في المكسيك. عشقت كارينغتون الفن السريالي وشكلت لوحاتها عالما من السحر والخيال.
كانت كارينغتون في السابعة من عمرها حين تم الإعلان عن البيان الرسمي الأول لتأسيس الحركة السرياليّة في عام 1924 وأصبحت واحدة من أواخر الفنانين السرياليين عند وفاتها في عام 2011 وهي بعمر الرابعة والتسعين.
ويمثل المعرض المقام حاليا عبقرية الفن السريالي لدى كارينغتون التي لم يلق فنها اهتماما كبيرا إلا بعد مئة عام على ولادتها.
تميزت أعمالها بالغرابة وكانت تثير السخرية في بعض الأحيان، لكنها مؤخرا لاقت رواجا كبيرا وأصبحت تباع بأثمان باهظة تصل إلى ملايين الدولارات، حيث بيعت إحدى لوحاتها، وهي بعنوان "انحرافات داغوبيرت"، في مزاد سوثبي بمبلغ ثمانية وعشرون مليون ونصف المليون دولار وهو أعلى سعر تصل اليه لوحات فنانة بريطانية على الاطلاق.
وأشارت ابنة عمها الكاتبة جوانا مورهيد التي أشرفت على إقامة المعرض إلى أن كارينغتون كانت تعمل بصمت في منزلها بالمكسيك على الرغم من كبر سنها. ولم تكن تعاني من الإجحاف ضد المرأة فحسب، بل حتى عانت من التحيز ضد الفن السريالي النسوي.
ويأخذنا معرضها الحالي إلى ثلاثينيات القرن الماضي حيث كانت الحركة السريالية في أوجها، حين ألتحقت كارينغتون بكلية الفنون في بريطانيا، المكان الذي اكتشفت فيه السريالية وقد كانت مندهشة من هذا الفن الذي لم يكن مألوفا في المجتمع.
تعرفت على الفنان الألماني السريالي ماكس إرنست ونشأت بينهما علاقة عاطفية لتغادر معه إلى باريس، حيث كانت السريالية في أوج ازدهارها ولم تكن تلك الحركة مجرد فنية، بل أسلوب عيش، ما جعل كارينغتون تشعر بالارتياح في هذا البلد وكانت حينها في التاسعة عشر من عمرها بينما كان إرنست في السابعة والأربعين من عمره وعاشا في منزل واحد في مدينة باريس وأنجزت عددا من الأعمال في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي.
بعد عام من اندلاع الحرب العالمية الثانية، أخذ الفرنسيون بجمع الألمان وزجهم في السجون ومن بينهم إرنست الأمر الذي أثر على كارينغتون وأصابها باِنهيار عصبي. طلبت منها عائلتها العودة إلى بريطانيا، لكنها رفضت ذلك.
ألتقت في فرنسا بـ "ريناتو ليدوك" وهو دبلوماسي وشاعر مكسيكي وقد تزوجا لتغادر معه إلى المكسيك. وبعد فترة وجيزة انفصل الزوجان لتجد كارينغتون نفسها وحيدة، لكنها مع ذلك استقرت في المكسيك حيث تعرفت على عدد من المثقفين والشخصيات المهمة التي غادرت أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية لتستقر في المكسيك. تعرفت خلال تلك الفترة على مصور تشيكي حيث تزوجا وانجبت منه ولدان. وتقول إحدى قريباتها إن "أجمل اللوحات للتي أنجزتها كارينغتون كانت عندما تحمل فرشاتها بيد وطفلها باليد الأخرى".
لاقت لوحاتها شهرة كبيرة في المكسيك وأصبحت محط أنظار الكثير من محبي الفن، حيث فاقت أهمية الكثير من أعمال الفنانين المكسيكيين. وبالنسبة لكثير من المكسيكيين فان كارينغتون فنانة مكسيكية رغم أنها ولدت في بريطانيا.
وتعد أعمالها ترجمة لما بداخلها من أحلام وسحر وخيال، إذ عكست ذلك في أعمالها النحتية التي مثلت أشكال الأشباح والمخلوقات الخيالية. ومن بين أعمالها النحتية الغريبة عمل بعنوان"المجدلية القديمة" و "إبنة الوحش ذو القرنين" حيث أعطت مثل هذه المواضيع جاذبية دائمة لفنها.
لم تكن السريالية السمة الغالبة لمعظم أعمال كارينغتون، بل كان لها عالمها الخاص الذي استوحت منه الأساطير التي أضفت الغرابة على الكثير من أعمالها. وعلى الرغم من التقدم بالعمر، بقيت كارينغتون تعمل في مجال الفن حتى قبل وقت قصير على وفاتها.

عن صحيفة الغارديان البريطانية