تربة الحسين «لا تمر بداءٍ إلا هضمته»

ريبورتاج 2024/07/30
...

 وسام الفرطوسي

على الرغم من تضافر الروايات الشريفة في حرمة أكل الطين والتراب، إلا أن هناك خصوصيَّة تنفرد بها تربة الإمام الحسين عليه السلام جاءت عبر أخبار أئمة أهل البيت عليهم السلام، وهي أن تربته الطاهرة، شفاء من كل داء، وأمان من كل خوف.ومن هذه الأخبار ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام، منها قوله: «إن في طين الحائر الذي فيه الحسين عليه السلام شفاء من کل داء، وأماناً من کل خوف».
كفيلة بالشفاء
لكن جملة من هذه الروايات حددت مقداراً معيناً لتناول التربة بنيَّة الاستشفاء، وهو ما يعرف بمقدار «حمصة»، إذ يقول الإمام الصادق عليه السلام: «إن الله تعالى خلق آدم من الطین، فحرم الطین على ولده، قال: قلت: فما تقول في طین قبر الحسین علیه السلام؟ قال: حرم على الناس أکل لحومهم، ویحل لهم أکل لحومنا، ولكن الیسیر منه مثل الحمصة».
وتذكر الروايات أيضاً جملة من الضوابط الخاصة بتناول التربة الحسينيَّة، وأدعية وأذكاراً محددة بهذا الشأن ومنها الأمور التالية:

أنْ تكون عارفاً بقدر الحسين
أولاً: أنْ يكون المتناول لها عارفاً بقدر الحسين عليه السلام، لكي يكون للتربة الحسينيَّة الأثر المرجوّ منها، فقد رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «لو أنّ مريضاً عرف قدر أبي عبد الله عليه السلام، أخذ له من طين قبر الحسين عليه السلام مثل رأس الأنملة، كان له دواءً وشفاء».

مررها على سائر الجسد
ثانياً: تقبيلها ووضعها على العينين وإمرارها على سائر الجسد، فإنه روي عن زيد أبي أسامة قال: كنت في جماعة من عصابتنا بحضرة سيّدنا الصادق عليه السلام، فأقبل علينا أبو عبد الله عليه السلام، فقال: «إنّ الله جعل تربة جدّيَ الحسين عليه السلام شفاءً من كلّ داء وأماناً من كلّ خوف، فإذا تناولها أحدكم فليقبّلْها ولْيضَعْها على عينيه، وليُمرَّها على سائر جسده». وهو ما ورد في الأمالي للشيخ الطوسي ص 318.

دعاء مأثور
ثالثاً: الدعاء بالمأثور، فإنّ الدعاء قبل تناول التربة الحسينيَّة من قبيل الاستئذان في تناولها، فلقد ورد في الكافي الشريف (ج 4/ 589 ص ح 74) قراءة هذا الدعاء المأثور عند أخذها:
«بسم الله. اللّهمّ بحقّ هذه التربة الطاهرة، وبحقّ البقعة الطيّبة، وبحقّ الوصيّ الّذي تُواريه، وبحقّ جدّه وأبيه وأُمّه وأخيه، والملائكة الّذين يحفّون به والملائكة العُكوف على قبر وليّك ينتظرون نصره، صلّى الله عليهم أجمعين، إجعل لي فيه شفاءً مِن كلّ داء، وأماناً من كلّ خوف، وعزّاً من كلّ ذُلّ، وأوسع به علَيّ في رزقي، وأصِحَّ به
جسمي».
وعن أبي جعفر الموصلي، أنّ أبا جعفر الباقر عليه السلام قال: «إذا أخذتَ طين قبر الحسين عليه السلام فقل: اللّهم بحقِّ هذه التربة، وبحقّ المَلَكِ الموكَّل بها، وبحقِّ المَلكِ الّذي كربَها، وبحقّ الوصيّ الّذي هو فيها، صلِّ على محمّدٍ وآل محمد، واجعلْ هذا الطينَ شفاءً لي مِن كلّ داء، وأماناً مِن كلّ خوف، كما ورد في كامل الزيارات لابن قولويه: 469 ح 716.

قراءة سورة القدر
رابعاً: قراءة سورة إنا أنزلناه، إذ بعد قراءة الدعاء على التربة الحسينيَّة يضعها في شيء كالصندوق أو الخرقة الثمينة مثلاً ويشدّها، ثم يقرأ سورة القدر، إذ روي أنّ رجلاً سأل الإمام الصادق عليه السلام فقال: إني سمعتك تقول: إنّ تربة الحسين عليه السلام من الأدوية المفردة، وإنها لا تمرّ بداءٍ إلّا هضَمَته، فقال: «قد كان ذلك»، أو: «قد قلتُ ذلك، فما بالك؟»، فقال: إنّي تناولتها فما انتفعتُ بها، قال عليه السلام: «أما إنّ لها دعاءً، فمن تناولها ولم يَدْعُ به واستعملها لم يكد ينتفع بها»، فقال له: ما يقول إذا تناولها؟ قال: «تُقبّلها قبل كلّ شيء وتضعها على عينيك...»، إلى أنْ قال له: «فإذا قلتَ ذلك فاشدُدْها في شيءٍ واقرأ عليها: ﴿إنّا أنزلناهُ في ليلةِ القَدْر﴾، فإنّ الدعاء الّذي تقدّم لأخذها هو الاستئذان عليها، واقرأ إنا أنزلناه ختمها».

اجرع من الماء جرعة
خامساً: شرب جرعة من الماء بعد تناولها والدعاء، فقد ورد في بعض الروايات شرب جرعة من الماء بعد تناول التربة الحسينيَّة والدعاء بالمأثور، منها ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «واجرعْ من الماء جرعةً خلفه، وقل: اللّهم اجعَلْه رزقاً واسعاً، وعلماً نافعاً، وشفاءً من كلّ داء وسقم. فإن الله تعالى يدفع عنك بها كلّ ما تجد من السقم والهمّ والغم، إن شاء الله تعالى».

الطین الذي عند رأس الإمام
وفي روایة أخرى یذکر الإمام الصادق بأنَّ طین التداوي یجب أنْ یؤخذ من عند رأس الشریف، ففي روایة یونس بن ربیع، عن أبي عبدالله علیه السلام قال: « إنّ عند رأس الحسین بن علي علیهما السلام لتربة حمراء فیها شفاء من کلّ داء إلّا السام، قال : فأتینا القبر بعد ما سمعنا هذا الحدیث، فاحتفرنا عند رأس القبر ، فلمّا حفرنا قدر ذراع انحدرت علینا من رأس القبر مثل السهلة حمراء قدر درهم، فحملناه إلى الکوفة فمزجناه فأقبلنا نعطي یتداوون به».
ویظهر من هذه الروایة بأنَّ الطین الذي عند رأس الإمام الحسین علیه السلام یتّصف باللون الأحمر وله رائحة زکیّة، وکان الأئمّة الأطهار إذا عرضت لهم تربة الإمام الحسین علیه السلام یعرفونها من لونها ورائحتها، ففي روایة بسند عن أبي بکار قال: « أخذت من التربة التي عند رأس قبر الحسین بن علي علیه السلام ، فإنّها طینة حمراء، فدخلت على الرضا علیه السلام فعرضتها علیه فأخذها في کفّه، ثمّ شمّها ثمّ بکى حتّى جرت دموعه، ثمّ قال: هذه تربة جدّي».
وجاء رجل إلى الإمام الصادق علیه السلام وقال له: إنّي رجل کثیر العلل والأمراض، وما ترکت دواءً إلّا تداویت به، فقال لي: فأین أنتَ عن تربة الحسین علیه السلام فإنّ فیها الشفاء من کلّ داء، والأمن کل کل خوف وقل إذا أخذته: «اللهمّ إنّي أسألک بحقّ هذه الطینة، وبحقّ الملک الذي أخذها، وبحقّ بیته، اجعل لي فیها شفاءً من کلّ داء وأماناً من کلّ خوف». قال: ثمّ قال: إنّ الملک الذي أخذها جبرئیل وأراها النبي صلّى الله علیه وآله وسلّم فقال: هذه تربة ابنک هذا، تقتله أمّتک من بعدک، والنبي الذي قبضها فهو محمّد صلّى الله علیه وآله وسلّم، وأمّا الوصي الذي حلّ فهو الحسین بن علي سیّد الشهداء، قلت: قد عرفت الشفاء من کلّ داء، فکیف الأمان من کلّ خوف؟ قال: إذا خفت سلطاناً أو غیر ذلک فلا تخرج من منزلک إلّا ومعک من طین قبر الحسین علیه السلام، وقل إذا أخذته: « اللهمّ إنّ هذه طینة قبر الحسین ولیّک وابن ولیّک، اتّخذتها حرزاً لما أخاف ولما لا أخاف» فإنّه یرد علیک ما لا تخاف.
قال الرجل: فأخذتها ما قال فصحّ بدني، وکان لي أماناً من کلّ ما خفت وما لم أخف کما قال، فما رأیت بحمد الله بعدها مکروها.

الفائدة والبرکة بفضل التربة
کما ورد عن الإمام الصادق علیه السلام روایة عن حمل الطین من قبر الحسین علیه السلام وما یلزم من قراءة بعض السور من القرآن الکریم، وبعض الأدعیة حتّى تتمّ الفائدة وتعمّ البرکة بفضل تربته الطاهرة، ففي روایة أبو حمزة الثمالي، قال: قال الصادق علیه السلام: إذا أردت حمل الطین من قبر الحسین علیه السلام فاقرأ: «فاتحة الکتاب»، و»والمعوذتین»، و»قل هو الله أحد» ، و»إنّا أنزلناه في لیلة القدر»، و»یس»، و»آیة الکرسي» وتقول: «اللهم بحقّ محمّد عبدك ورسولك وحبیبك ونبیّك وأمینك، وبحقّ أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب عبدك وأخي رسولك، وبحقّ فاطمة بنت نبیّك وزوجة ولیّك، وبحقّ الحسن والحسین، وبحقّ الأئمّة الراشدین، وبحقّ هذه التربة، وبحقّ الملك الموکّل بها، وبحقّ الذي ضمنت، وبحقّ جمیع ملائکتك وأنبیائك ورسلك، صلّ على محمّد وآل محمّد، واجعل لي هذا الطین شفاءً من کلّ داء، وأنْ یستشفی به من کلّ داء وسقم ومرض وأماناً من کلّ خوف، اللهمّ بحقّ محمّد وأهل بیته اجعله علماً نافعاً ورزقاً واسعاً، وشفاءً من کلّ داء وسقم وآفة وعاهة وجمیع الأوجاع کلّها، إنّك على کلّ شيء قدیر».
وتقول: «اللهم ربّ هذه الترب المبارکة المیمونة، والملک الذي هبط بها، والوصيّ الذي هو فیها، صلّ على محمّد وآل محمّد وسلّم، وانفعني بها ، إنّك على کلّ شيء قدیر».

علاج ناجع
ووردت روایات أخرى عن الإمام الصادق علیه السلام بخصوص الاستشفاء بطین قبر الحسین علیه السلام، وقراءة أدعیة التوسّل بالله عزّ وجلّ خلال تناول بعض من طین القبر، فقد ورد عنه علیه السلام قال: إذا تناول أحدکم من طین قبر الحسین علیه السلام فلیقل: «اللهمّ إنّي أسألک بحقّ الملك الذي تناوله، والرسول الذي بوأه، والوصيّ الذي ضمن فیه، أن تجعله شفاء من کلّ داء ـ کذا وکذا ـ ویسمّی ذلك الداء».
وروی عنه علیه السلام قال : إذا أخذته فقل : «اللهم بحقّ هذه التربة الطاهرة، وبحقّ البقعة الطیّبة وبحقّ الوصي الذي تواریه، وبحقّ جدّه وأبیه، وأمّه وأخیه، والملائکة الذین یحفون به، والملائکة العکوف على قبر ولیّك، ینتظرون نصره صلّى الله علیهم أجمعین، واجعل لي فیه شفاءً من کلّ داء، وأماناً من کلّ خوف، وغنى من کلّ فقر، وعزّا من کلّ ذلّ، وأوسع به علی في رزقي، وأصحّ جسمي».
ومن ذلك صار طین قبر الحسین علیه السلام علاجاً ناجعاً، تتّخذه الشیعة للتبرّک والمعالجة، یتداولونه فیما بینهم، حتّى تعدّى ذلك إلى عامّة المسلمین، وشهد ببرکة وفضل طین قبر الحسین علیه السلام بعض المعاندین والمخالفین، ففي روایة الحسین بن محمّد الأزدي، عن أبیه قال: صلّیت في جامع المدینة وإلى جانبي رجلان على أحدهما ثیاب السفر، فقال أحدهما لصاحبه: یا فلان أما علمت أنّ طین قبر الحسین علیه السلام شفاء من کلّ داء؟ وذلك أنّه کان بي وجع الجوف، فتعالجت بکلّ دواء فلم أجد فیه عافیة، وخفت على نفسي وآیست منها، وکانت عندنا امرأة من أهل الکوفة عجوز کبیرة، فدخلت إليّ وأنا في أشدّ ما بي من العلّة، فقالت لي: یا سالم ما أرى علّتك إلّا کلّ یوم زائدة؟ فقلت لها: نعم، فقالت: فهل لك أن أعالجك فتبرّأ بأذن الله عزّ وجلّ؟ فقلت لها: ما أنا إلى شيء أحوج منّي إلى هذا، فسقتني ماء في قدح فسکنت عنّي العلّة وبرئت حتّى کأن لم یکن بي علّة قطّ.
فلمّا کان بعد شهر دخلت علی العجوز، فقلت لها: بالله علیک یا سلمة «وکان اسمها سلمة» بماذا داویتني؟ فقالت: بواحدة ممّا في هذه السبحة، من سبحة کانت في یدها، فقلت: وما هذه السبحة؟ فقالت: إنّها من طین قبر الحسین علیه السلام، فقلت لها: یا رافضیّة داویتني بطین قبر الحسین علیه السلام؟ فخرجت من عندي مغضبة ورجعت والله علّتي کأشدّ ما کانت، وأنا أقاسي منها الجهد والبلاء، وقد والله خشیت على نفسي، ثمّ أذّن المؤذّن فقاما یصلّیان وغابا عنّي.

الجمع بین البرکة والسنّة
وفي روایة موسى بن عبد العزیز کما ذکرها الشیخ الطوسي قال: لقیني یوحنا بن سراقیون النصراني المتطبّب في شارع أبي أحمد، فاستوقفني وقال لي: بحقّ نبیّك ودینك من هذا الذي یزور قبره قوم منکم بناحیة قصر ابن هبیرة؟ من هو من أصحاب نبیّکم؟ قلت: لیس هو من أصحابه هو ابن بنته، فما دعاك إلى المسألة عنه؟ فقال له: عندي حدیث طریف، فقلت: حدّثني به، فقال: وجه إلی سابور الکبیر الخادم الرشیدي في اللیل، فصرت إلیه، فقال لي: تعالى معي، فمضى وأنا معه حتّى دخلنا على موسى بن عیسى الهاشمي، فوجدناه زائل العقل متّکئاً على وسادة وإذا بین یدیه طست فیها حشو جوفه وکان الرشید استحضره من الکوفة.
فأقبل سابور على خادم کان من خاصّة موسى، فقال له: ویحك ما خبره! فقال له: أخبرك أنّه کان من ساعة جالساً وحوله ندماؤه، وهو من أصحّ الناس جسماً وأطیبهم نفساً، إذ جرى ذکر الحسین علیه السلام، قال یوحنا: هذا الذي سألتك عنه فقال موسى: إنّ الرافضیّة لیغلون فیه حتّى أنّهم فیما عرفت یجعلون تربته دواء یتداوون به، فقال له رجل من بني هاشم کان حاضراً: قد کان بي علّة علیلة فتعالجت بها کلّ علاج فما نفعني، حتّى وصف لي کاتبي أنْ آخذ من هذه التربة فأخذتها فنفعني الله بها وزال عنّي ما کنت أجده.
قال: فبقي عندک منها شيء؟ قال: نعم، فوجه فجاءه منها بقطعة، فناولها موسى بن عیسى، فأخذها موسى فاستدخلها دبره استهزاءً بمن تداوى بها، واحتقاراً وتصغیراً لهذا الرجل هي تربته ـ یعنی الحسین علیه السلام ـ فما هو إلّا أن استدخلها دبره حتى صاح النار النار، الطست الطست، فجئنا بالطست فأخرج فیها ما ترى. فانصرف الندماء، فصار المجلس مأتماً، فأقبل علی سابور فقال: انظر هل لك فیه حیلة؟ فدعوت بشمعة فنظرت فإذا کبده وطحاله وریته وفؤاده خرج منه في الطست، فنظرت إلى أمر عظیم فقلت: ما لأحد في هذا أصنع إلّا أن یکون لعیسى الذي کان یحیي الموتى، فقال لي سابور: صدقت، ولکن کن هاهنا في البیت إلى أن یتبیّن ما یکون من أمره، فبت عندهم وهو بتلك الحال ما رفع رأسه، فمات في وقت السحر.
وکان یوحنّا یزور قبر الحسین علیه السلام وهو على دینه، ثمّ أسلم بعد هذا وحسن إسلامه.
وروی أنّ علي بن محمّد النوفلي قال لأبي الحسن علیه السلام إنّي أفطرت یوم الفطر على طین القبر وتمر فقال له: جمعت بین برکة وسنّة.