بغداد: قاسم موزان
تصوير: نهاد العزاوي
منذ عقدين أو أكثر تشهد العاصمة بغداد انفجاراً سكانيًا هائلا وكثافة بشرية غير مسبوقة وانشطارات أسرية، تركزت (الكثافة) في المركز الذي يعاني من مشكلات في البنى التحتية. ومع ذلك، فإن الرغبة ما زالت كبيرة في الانتقال من المدن والأطراف إلى العاصمة التي تمتلك العديد من الامتيازات، يقف في مقدمتها توفر فرص العمل، ما سبب هجرة الأيدي العاملة من تلك المدن والاستقرار في العاصمة، فبرزت شريحة أصحاب العقارات، لاستثمار أملاكهم واستغلال المحتاج، ما جعل البحث عن سكن بإيجار معقول شبه مستحيل.
أسباب متعددة
في هذا الشأن، قال صاحب مكتب دلالية الديرة في شارع فلسطين سلمان داود: إن “أزمة السكن لها أسبابها الواقعية/ منها لجوء المستأجر من أطراف بغداد للبحث عن دار سكنية أو شقة مع اقتراب الموسم الدراسي لتسجيل أبنائه في مدارس نموذجية لضمان مستقبلهم أو التخلص من الزحامات الخانقة ما يضطره للتأجير قرب المدارس أو مكان عمله بأي ثمن، وإن أرهقت ميزانية أسرته”.
وشكا المستأجر خليل إبراهيم من الزيادات المستمرة في قيمة الايجار، وليس أمامه إلا الصمت والقبول صاغراً، لكون المنطقة آمنة وتخلو من المشكلات، وهذا من الصعب الحصول عليه في الوقت الحالي، فضلًا عن قربها من مكان
عمله.
معالجات واقعيَّة
من جانبها، قالت د. مروج مظهر عباس: أن «أزمة السكن تستدعي الوقوف على أسبابها ومسبباتها في معالجات واقعية بمشاركة الجهات ذات العلاقة وتشخيص حالات الخلل، لا سيما أن الاستثمار غير منتظم واستحواذ فئات معينة على العقارات لتتحكم بمصير المواطنين من ذوي الدخل المحدود».
أما عذراء المسعودي فقد أشارت إلى أسباب ارتفاع أسعار الايجارات في بغداد كونها العاصمة التي تعد منطقة جاذبة للسكن لما يتوفر فيها من خدمات، وأماكن ترفيه، إضافة إلى الدوائر والمؤسسات الحكومية والأهلية، ما دفع أصحاب العقارات والوحدات السكنية إلى رفع أسعار عقاراتهم، بل تعدى الأمر إلى عدم تأجيرها للأسر، بل استثمارها لأغراض تجارية.
واجهة للأعمال
إلى ذلك، بين عزيز الشعباني أن العقارات بصورة عامة المملوكة أو المستأجرة ارتفعت قيمها ارتفاعًا فاحشًا، لتكون الأغلى في المنطقة، عازيًا ذلك إلى جعلها من قبل البعض واجهة لـ”غسيل الأموال”، أو إقامة مشاريع استثمارية.
بدوره، قال عبد الأمير المجر: إن العراق ما زال فتيًا في ثقافة البناء العمودي، التي لها عدة مميزات منها: قلة المساحة المشغولة، وكثرة الوحدات السكنية، فضلًا عن الخدمات المقدمة، كما أنها تضيف جمالية للمدن، ما أدى إلى صعوبة الحصول على عقارات للسكن أو الإيجار، وتحكم بعض أصحاب الأموال بسوق العقارات التي يستثمرونها لأغراض تجارية.
ودعا إلى التعاقد مع شركات عالمية لبناء مجمعات سكنية حديثة، ذات أقساط مريحة لا ترهق ميزانية المواطن، خاصة محدودي الدخل.
مسببات ومقترحات
من جهته، اقترح المهندس عباس عبود، التوسع في الاستثمار الحكومي لبناء وحدات سكنية من خلال التعاون مع شركات القطاع الخاص المحلي والأجنبي، وطرحها للمواطنين بأقساط مريحة، خاصة لأصحاب الدخل المحدود، إلى جانب بناء دور أو شقق سكنية واطئة الكلفة لتعم الفائدة للجميع.
وأعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في كانون الثاني 2023، عن إطلاق العمل في مشروع مدينة الجواهري السكنية الجديدة، في قضاء أبو غريب، غرب العاصمة بغداد، أحد مشاريع المدن الجديدة الخمسة، التي تم الإعلان عنها ضمن ستراتيجية الحكومة لمعالجة أزمة السكن، وتخفيف الاكتظاظ عن مراكز المدن الكبرى. كما رعى السوداني مؤخراً، التوقيع على عقد أكبر مدينة سكنية في العراق هي مدينة “علي الوردي” والتي تقع في مدينة النهروان شرق العاصمة بغداد.
وتبلغ مساحة المدينة 24517 دونماً وبعدد وحدات سكنية بحدود 120 ألف وحدة سكنية.
ويرى مراقبون أن المدن الجديدة التي أعلنتها الحكومة ستخفف بنسبة جيدة من أزمة السكن، وستسهم في انخفاض بدلات الإيجار، مؤكدين ضرورة دعم هذه المشاريع لفائدتها لمختلف الطبقات والفئات في المجتمع.