تجريبيَّة السيناريو القصصي

ثقافة 2019/06/15
...

عبد علي حسن
 
 
لعل مايحظى به السيناريو من أهمية ادبية وفنية هو ما حفز القاص عبد الكريم حسن مراد على تكريس بنائية السيناريو واعتماده كظاهرة اسلوبية هيمنت على قصص مجموعته القصصية ( رغبات مؤجلة) اصدار دار الشؤون الثقافية العامة / 2017 ، وتتبدى بشكل واضح حرفية القاص عبد الكريم ومعرفته في كتابة السيناريو من حيث رسم المشاهد والاشارة الى امكنة قيام الأحداث وسائر تقنيات كتابة السيناريو ، فقد ضمت مجموعته موضوع المقاربة نصين يحملان عنوانا صريحا ( سيناريو قصصي) كشفا عن احداث توزعت أمكنة وأزمنة تتفق والملاحقة الآنية لسرد الأحداث عبر استخدام الأفعال المضارعة التي تشير الى الحاضر والمستقبل وهو مايتطلبه السرد عبر السيناريو . وإذا ماعرفنا ان أهمية السيناريو تكمن في تعالقه مع الفيلم او العمل الفيلمي ومن غير هذا العمل الفيلمي لايمكن ان يحقق السيناريو أي تأثير او اهمية حسب الدكتور عبد الباسط سلمان في كتابه (السيناريو والنص) ص 21 فهو ليس عملا كاملا من الفن كالرواية والقصة القصيرة ، فإن التساؤل عن جدوى كتابة هذه النصوص باسلوب السيناريو في هذه المجموعة القصصية يبدو مشروعا ، مادام أن هذه النصوص لم تكن متحولة عن قصة بل هي نصوص قصصية اتخذت شكل السيناريو في بنائها ، وهنا تكمن تجريبية القاص عبد الكريم حسن مراد في كتابته لهذه النصوص ، وقد ارتكنت في رسمها للحوادث وبناء الشخصيات الى جماليات التعبير اللغوي وكذلك الى فنون القول البلاغي من استعارة وتشبيه وسواهما .
في نص ( حدث ذات مساء) الذي يحمل عنوانا تصنيفيا آخر (سيناريو قصصي) و اهداء ابتدائي ( الى التي غادرتني ذات مساء بارد ! ) يرسم القاص مشهدا لايدرك بالرؤية العيانية وانما يدرك ذهنيا عبر الصور اللغوية كما في المشهد الأول الخارجي (عيون الليل لم تغف بعد، والنجوم الثلجية المعلقة في صدر السماء كنياشين بيض لم تغف أيضا....النص ص23) ومثل هذه الصور تتكرر في رسم المشاهد الخارجية والداخلية الأخرى ، مما يعني أن هذا السيناريو قد كتب للقراءة وليس كتخطيط اولي لعمل فلمي ، مع بقاء التقنيات الأخرى فاعلة في رسم المشاهد من ديكور ومناظر واضاءة واستخدام الافعال المضارعة للتدليل على قيام الاحداث في الزمن الحاضر / الآني وكذلك القطع الفاصل بين المشاهد المرسومة بحرفية عالية تمكن المتلقي / القارئ من تكوين تصور عن مجرى الأحداث والشخصيات في زمن ومكان محددين ،
ويحاول السيناريو تأثيث حدث واحد تتكفل به حركية الأفعال المضارعة التي تشير الى آنية وقوع الحدث واستمراره بدءا من اللقاء السريع بين المراة والرجل ذي المعطف ، لنعرف بعدئذ ان اللقاء كان بصدد موعد بينهما سيتم في بيت المراة التي تظفر بلقاء الرجل فيمران بلحظة يعقبها مباغتة الرجل للزوج في الغرفة التي كان يجلس فيها على الكرسي  ، فيشتبكان لينتهي الموقف بقتل الرجل ذي المعطف للزوج واحتلال الكرسي الذي كان يجلس عليه الزوج ( بينما المرأة تغفو بعمق تاركة الصرصار يحمل وجوده خارجا !..... النص ص26 ) في اشارة الى عدم اكتراث المرأة بما يجري وتخلصها من الزوج الذي اشار اليه النص بعده الصرصار الذي غادر البيت بعد ان كان يحتضنه السرير المتهرئ الذي شهد موقف مضاجعة الرجل ذي المعطف للمرأة، لقد كان بالإمكان سرد الحدث قصصيا، دون اللجوء الى كتابته وفق اسلوب السيناريو ، اذ لم يكن هنالك مايستدعي وضع سيناريو لحدث بسيط من الصعب تجسيده فلميا ، فليس هنالك حدث خارق للعادة او مخيالا يحول دون التجسيد والمشاهدة .
 وفي نص ( سيناريو قصصي / ضوء) يتبدى السرد القصصي واضحا عبر رسم المشهد الاسترجاعي لامرأة تقف الى نافذة تفتح على مشهدية العلاقة الغرامية بينها وبين شاب تعرض الى القتل في عشوائية الحرب أثناء دخول القوات الامريكية للعراق، الا ان النص يروى في جزئه الأخير بضمير ال(أنا) فاسحا المجال للسرد القصصي ان يأخذ فاعليته في تشكل الأحداث واسترجاع تفاصيل علاقة الراوي بالمرأة ( ضوء ) دون أن يظفر احدهما بالآخر في نهايةالمطاف ، لقد حاز هذا النص على امكانية كتابة سيناريو قصصي يدخل الى مناطق اكثر عمقا من حدود المشاهدة العيانية ، اذ اسهم التعبير الصوري لحالات الشخصيتين(الرجل والمراة) في منح النص صفة السردالتعبيري الذي اهتم برسم الصور السردية المتحتفظة باستقلاليتها التعبيرية دون توفير امكانية تجسيدها مشاهدة او عيانية .