جمهوريَّة إيران التاسعة.. من الأصوليَّة إلى الإصلاحيَّة

آراء 2024/07/31
...

 محمد صالح صدقيان 

إن أسبابا متعددة تقف وراء هذا العزوف يجب أن تاخذ حيزا واسعا من المختصين في الاجتماع السياسي الإيراني لدراسة هذه الظاهرة، التي اصبحت تتكرر في الحياة السياسية الإيرانيية وهي خطيرة، ولا يمكن المرور عليها مرور الكرام؛ لكن الحكومة الإيرانية الجديدة مدعوة للعمل من أجل إزالة هذه الاسباب، لأن ذلك يخدم المواطن الإيراني ويخدم النظام السياسي في إيران.

بأداء اليمن الدستورية للرئيس الإيراني المنتخب تكون العملية الانتخابية الرئاسية قد وصلت لنهاياتها، حيث اصبح مسعود بزشكيان الرئيس التاسع للجمهوريَّة الاسلامية الإيرانية، لتبدأ بعدها خطوات تقديم اسماء الكابينة الوزراية المقترحة لمجلس الشوری البرلمان، من أجل الحصول علی الثقة البرلمانية، لفتح المجال امام الحكومة العتيدة ليس لمزاولة اعمالها الروتينية فقط وانما لمعالجة عديد الملفات الساخنة التي تنتظرها والتي وعد الرئيس مسعود بزشكيان بايجاد الحلول الناجعة لمعالجتها. هذه الملفات هي التي دعت الناخبين لاعطاء اصواتهم للرئيس يزشكيان، بدلا من منافسه سعيد جليلي، اعتقادا منهم ان بزشكيان يستطيع معالجة مشكلات إيران المستعصية، سواء كان الداخلية منها أو الخارجية؛ وهي ذات المشكلات التي أدت إلى عزوف 50 بالمئة من المواطنين عدم المشاركة في الانتخابات، بسبب المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، التي يشعرون بها وهي رسالة واضحة اراد هؤلاء المواطنون ارسالها للقيادة والنظام السياسي الإيراني.

إن أسبابا متعددة تقف وراء هذا العزوف يجب أن تاخذ حيزا واسعا من المختصين في الاجتماع السياسي الإيراني لدراسة هذه الظاهرة، التي اصبحت تتكرر في الحياة السياسية الإيرانيية وهي خطيرة، ولا يمكن المرور عليها مرور الكرام؛ لكن الحكومة الإيرانية الجديدة مدعوة للعمل من أجل إزالة هذه الاسباب، لأن ذلك يخدم المواطن الإيراني ويخدم النظام السياسي في إيران. 

مما لاشك فيه ان المجتمع الإيراني يحتوي علی تيارات واحزاب وجمعيات وقوميات ومذاهب واديان مختلفة في اتجاهاتها وعقائدها السياسية والفكرية والاجتماعية. وهذه الحالة يمكن أن تنعكس علی الحكومة وأجهزتها التنفيذية لتُشكل حكومة اصولية متشددة كما كانت في عهد الرئيس الراحل ابراهيم رئيسي، أو تشكل حكومة اصلاحية كما هو المتوقع في عهد الرئيس مسعود بزشكيان. لكن السؤال يبقی كيف يمكن للرئيس مسعود بزشكيان ترميم حالة عدم الرضا الموجودة لدی شريحة كبيرة من المواطنين بسبب تداعيات العقوبات الاقتصادية وتفاقم المشاكل الاقتصادية الحياتية اليومية، والذي اثر علی الوضع الثقافي والحياتي خصوصا في حال مقارنة هذه الاوضاع بعديد الدول التي بدأت نهضتها العمرانية والثقافية والاقتصادية باوقات متقاربة. 

يختلف الوسط الإيراني بشان اداء حكومة الرئيس الراحل ابراهيم رئيسي؛ فمنهم من يعتقد ان الاداء كان من افضل ما يمكن ان تقوم به حكومة لمواجهة تداعيات الحصار ومعالجة مشاكل المواطنيين؛ في حين يری آخرون أن إيران لم تشهد أداءً ضعيفا وهشا مثلما شهدته حكومة الرئيس رئيسي، التي خلت من الخبراء والمتخصصين واعطيت المراكز التنفيذية بيد شخصيات كان المعيار الرئيس فيها الحالة الثورية، ودعم الافكار الثورية الداخلية والخارجية علی حساب الخبرة والتخصص والعلم. 

إن الحكومة الجديدة مدعوة لمعالجة مطالب المواطنين في إعادة تأهيل البنی التحتية في المجالات المختلفة، ومنها الطاقة والماء والاتصالات والخدمات والنقل والصناعة والبلديات والتربية والتعليم؛ وتصحيح القوانين الادارية والاجتماعية؛ والعمل علی خلق فرص العمل للشباب والخريجين للحيلولة دون هجرتهم إلى خارج إيران؛ اضافة إلى انتهاج سياسة تحقق مطالب المواطنين في المزيد من الحريات المدنية والعامة. 

وهناك قضية مهمة تتعلق بآلية تعاون البرلمان الذي تسيطر عليه غالبية متشددة من الأصوليين لا تتفق مع برنامج الرئيس بزشكيان. وبالرغم من دعم القيادة الإيرانية المعلن للرئيس بزشكيان لكن هناك مخاطر كثيرة من جراء وضع العصي في برنامج الحكومة، خصوصا ما يتعلق بالسياسة الخارجية. 

في السياسة الخارجية فإن الرئيس مسعود بزشكيان وعد المواطنين بازالة الحظر الاقتصادي والسياسي والانفتاح علی العالم الخارجي، من اجل الوصول إلى نمو اقتصادي بنسبة 8 بالمئة حسب ما ورد في الخطة العشرينية 2035 والتي صادقت عليها القيادة الإيرانية. لأن الرئيس بزشكيان كان قد تحدی منافسه سعيد جليلي بامكانية الوصول لهذه النسبة من النمو الاقتصادي في الوقت الذي تضع فيه إيران بقفص حديدي!. وهذا الأمر ينسحب علی الية معالجة الحكومة الجديدة لعديد الملفات الحساسة، كالتلوث البيئي وإدخال التكنولوجيا الحديثة في انتاج السيارات وتحديث المعامل والمصانع بما يتناسب والتقدم العلمي في المجالات المختلفة. 

وعلی ضوء عدم وضوح نتائج الانتخابات الرئاسية الامريكية ومآلات السياسة الامريكية الجديدة حيال إيران؛ فإن أمام الحكومة الإيرانية الجديدة تحديات تفرضها عزم الترويكا الأوروبية تفعيل آلية «سناب باك»، التي جاءت في الاتفاق النووي الموقع في ابريل عام 2015 حتی شهر اكتوبر 2024 تاريخ انتهاء صلاحية القرار 2231 لإعادة فرض العقوبات الاقتصادية، التي جمدها مجلس الامن الدولي بعد صدور القرار 3321. وليس معلوما مصير هذه الآلية فيما اذا فاز الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الامريكية لأن طهران قالت بأنها سوف تنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي في حال استخدام آلية «سناب باك» وعودة عقوبات مجلس الامن الدولي التي جمدت في عام 2015.

في التحديات الخارجية؛ ملفان رئيسان هما الحرب الاوكرانية والقضية الفلسطينية؛ فالأول يرتبط بالعلاقة مع روسيا وما لها من انعكاسات علی العلاقة مع الدول الغربية، خصوصا أن الاتفاقية الاستراتيجية بين روسيا وإيران تنتظر تشكيل الحكومة الإيرانية للتوقيع عليها؛ والثاني يرتبط بالعلاقة مع محور المقاومة، الذي ترعاه إيران والذي ينعكس علی مباحثات إيران مع الدول الغربية بشأن إحياء الاتفاق النووي وامكانية ازالة الحظر الاقتصادي عن إيران. 

في الواقع الإقليمي؛ أمام الحكومة الإيرانية الجديدة ملفات لم تكتمل حلولها، مثل العلاقة مع السعودية والامارات في مجالات تخص اليمن والجزر الثلاث والتطبيع مع الكيان الاسرائيلي؛ والنزاع الافغاني الإيراني علی توزيع مياه نهر هرمند؛ ومكافحة المخدرات وتجارة تهريب البشر؛ وقضية النزاع الأرميني الاذري؛ وعودة نشاط الحركات الارهابية في المنطقة.