كركوك - نهضة علي/تحرير سينما
ما زالت المنطقة الواقعة في قلب مركز مدينة كركوك تضم بين ثنايا أزقتها أبنية قديمة تحمل تراثاً ثقافياً، ومن تلك البنايات القديمة، ثمة شواخص لصالات سينما، شيد معظمها في أربعينيات القرن الماضي وما بعده، منها : سينمات: "غازي"، و"أطلس"، و"العلمين"،
و " الحمراء" ثم أضيفت لها سينما "صلاح الدين"، و "الخيام"، هذه السينمات التي كانت ملاذاً لمسرات أبناء المحافظة تحولت الآن إلى مرائب لوقوف السيارات ومخازن.
بينما أغلقت البقية بشكل كامل، التقت "الصباح" آزاد نوري، أحد رواد ومحبي السينما القديمة، وسألته عن سينما "الحمراء" وذكرياته عنها ، فأجاب: "كنت أرتاد صالة السينما وأنا في عمر الثماني سنوات، إذ كنت أبيع "الكرزات" في بابها وحتى أثناء العرض برفقة والدي وإخوتي الذين يمتهنون بيعها.. هذه السينما الواقعة في شارع الحمراء خلف المحكمة، شيدها تاجر سجائر جملة يهودي في بداية الأربعينيات، ثم طورها في العام 1947 إلى سينما صيفية تعرض فيها الأفلام بدورين السابعة مساء والتاسعة ليلاً، بعدها تم بناء سينما شتوية وبيعت من قبل التاجر ابراهيم الجملجي بعد مغادرته العراق إلى أحد أصحاب توزيع الأفلام في كركوك وتم تحويلها إلى ملكيته بقرار ملكي.. والآن هي " كراج" لوقوف السيارات.
وبحسب نوري فإن تسميتها بالحمراء يعود إلى أن معظم روادها من الشيوعيين، بينما يعتقد آخرون أن معظم أفلامها كانت تأتي من مكتب اسماعيل شريف صاحب سينما" الحمراء" في بغداد، وحسين جلال؛ وهما وسطاء توزيع الأفلام من بغداد إلى المحافظات، ومعظم هذه الأفلام كانت بالأسود والأبيض، وكانت السينما تغص بالجمهور، لا سيما في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، إذ كان يرتادها الشباب والكبار والأسر، وغالباً ما تعرض سينما الحمراء الأفلام المصرية، خصوصاً أفلام فريد الأطرش الغنائية، بينما تخصصت سينما "العلمين" بأفلام "الكابوي"، والأكشن، وبأسى يتحدث آزاد نوري : "أغلقت" الحمراء" في
28 - 3 - 2002، بعد إعلان إفلاسها، وذلك لعزوف الأسر والشباب عن ارتيادها، وربما السبب الأهم من وجهة نظره يعود إلى رواج أفلام "السي دي" التي انتشرت من خلال محال بيع الأقراص الليزرية، وهي لا تكلف شيئاً".
ويستذكر آزاد بحبور أساليب الدعاية في سينمات كركوك السعيدة، التي هي بالإضافة إلى" الشيت" أو الملصق الذي يعلق في واجهة السينما، ثمة الصور الفوتوغرافية التي تصور لقطات مثيرة من الفيلم و توضع في " الجام خانة" داخل الصالة، ويضيف آزاد :" ما زلت أذكر أن هنالك "مروجين" ظرفاء يكلفون بتوزيع صور أبطال الفيلم المذكور التي تطبع في مطبعة محلية قرب مستشفى كركوك، وكان هؤلاء يحملون "رزم" من الورق وينتظرون خروج عمال شركة النفط الشمال، ليوزعوا عليهم الصور، وغالباً ما يستخدمون عربة صغيرة لهذا الغرض، كذلك يجوبون شوارع المدينة القديمة، ومن أشهر هؤلاء المروجين حميد، وجوكر، ورزوقي ذو الصوت الجهوري، الذي كان يروج للأفلام التي تعرضها سينما "العلمين" والذي غالباً ما تراه يصرخ : " سينما العلمين ..برت لانكستر..فيلم الاباتشي .. بوكسات.. وسكوب ملون"، وهؤلاء المروجون غالباً ما يتنافسون بينهم، فكل واحد منهم منحاز للسينما التي يعمل
فيها.
وبحسب كتاب "سينمات العراق" فإن سينما الحمراء كانت تعرض أفلام فريد الأطرش التي يتفاعل معها الجمهور، واستمرت بهذا التقليد إلى حد أنها أعادت عرض أفلام فريد الأطرش، بل حتى الأغاني، التي كانت تبث قبل عرض الفيلم، أو في الاستراحة تكون مخصصة لفريد الأطرش، ومن الطرائف التي يذكرها كتاب سينمات العراق: أن جمهور فريد الأطرش يرددون أغانيه معه ويصفقون له اعجاباً وهياماً. ولا يعكر هذا الانسجام والتماهي سوى " زيگ" غير مسبوق لأحد عشاق عبد الحليم حافظ المدسوس في الصالة
للبلبلة.