حرب الطائرات المسيرَّة

آراء 2024/08/05
...

زهير كاظم عبود

بتاريخ الثالث من شهر كانون الثاني 2020 وفي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، قامت الولايات المتحدة الامريكية بتوجيه طائرة مسيرة لاستهداف سيارة قادمة من مطار بغداد الدولي، تقل كلا من السيد قاسم سليماني ( قائد فيلق القدس الإيراني ) ومعه أبو مهدي المهندس ( جمال جعفر محمد علي آل إبراهيم ) نائب القائد العام للحشد الشعبي العراقي، وبصحبتهما سائق السيارة وأحد المرافقين، وأطلقت الطائرة المسيرة عددا من الصواريخ التي تحملها، أصابت السيارة بشكل مباشر وخلال سيرها باتجاه العاصمة العراقية، وأدى الحادث إلى استشهاد جميع من كان داخل السيارة، هذه العملية تم تنفيذها على الأراضي العراقية، بعد صدور أمر من الرئيس الأمريكي السابق ( دونالد ترامب ) باعتباره القائد العام للقوات المسلحة الأمريكية.
ويشكل هذا الفعل مهما كانت تبريراته جريمة من جرائم الجنايات الخطيرة، يسري عليها وفقا لقانون العقوبات العراقي، وهو القانون النافذ وقت ارتكاب الفعل الجرمي، وضمن الاختصاص الإقليمي للعراق، والاختصاص الإقليمي، يشمل جميع أراضي العراق، وكل مكان يخضع لسيادته، بما في ذلك المياه الإقليمية والفضاء الجوي الذي يعلوه، وتنطبق الظروف المشددة العامة على الفعل المرتكب باستعمال طريقة وحشية في التنفيذ، والتمثيل بجثث المجني عليهم.
العملية المذكورة تدلل وبما لا يقبل الشك الاستهانة بالسيادة العراقية، وتمس بسيادة وكرامة البلاد، وتهدد سلامة الامن الداخلي والخارجي، كما نتج عن الفعل المذكور الاعتداء على الحياة والكرامة الإنسانية، وطالت أشخاصا مدنيين يحميهم القانون، وهم في غير حالة حرب مع جيش الولايات المتحدة الامريكية، وفي جميع الأحوال فإن للولايات المتحدة الامريكية علاقات دبلوماسية مع العراق، تتمثل في وجود سفراء في كلا البلدين، وارتكاب جريمة من قبل القوات الامريكية، تنفيذا لأمر الرئيس الأمريكي السابق، يشكل تجاوزا على جميع الأعراف والقيم الدبلوماسية والسياسية، ويصل لمستوى اعلان الحرب على العراق ما لم يتم اجراء التحقيقات والمحاكمات الأصولية، وفق ما يمليه القانون العراقي النافذ ومخالفة صريحة ومباشرة لاتفاقية جنيف المؤرخة في 12 آب 1949.
وعلى اعتبار أن الجريمة وقعت نتيجتها فوق الأرض العراقية، فان مرتكب الجريمة سواء ارتكبها أو ساهم بها ولو كانت مساهمته خارج العراق فاعلا أو شريكا، يخضع لنصوص قانون العقوبات العراقي.
ومثل هذا الامر تم في الساعة الثانية فجرا من يوم ٣٠تموز ٢٠٢٤ تنفيذ عملية اغتيال إسماعيل عبد السلام أحمد هنية في طهران، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية مع أحد حراسه، والتي حل فيها لتهنئة الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان لتسلمه المنصب، والتي نفذتها طائرة مسيرة من قبل القوات الإسرائيلية بأمر من رئيس الوزراء الإسرائيلي ( بنيامين نتنياهو )، وارتكاب جريمة الاغتيال فوق الأراضي الإيرانية، يرتقى إلى مستوى اعلان الحرب على ايران، وتجاوزا فظا للاتفاقيات الدولية وخرقا للسيادة والكرامة، وتحديا لمبادئ القانون الدولي الإنساني ولميثاق الأمم المتحدة.
والجريمة المذكورة يطولها قانون العقوبات الإيراني ويخضع مرتكبيها ومخططيها ومن أمر بها للمحاسبة الجنائية، إلا أن المجتمع الدولي لا يتخطى حدود الاستنكار والرفض المعنوي لهذا الفعل، أو الصمت في أضعف الحالات.
ما يلفت النظر أن مثل هذه الجرائم يتم ارتكابها أمام انظار المجتمع الدولي، وبعلم الأمم المتحدة ومجلس الامن، ومجرد الاستنكار لا يمكن ان يواجه هذه العمليات الاجرامية، التي يتم ارتكابها فوق أراضي دول تتمتع بالسيادة، وأعضاء في الأمم المتحدة، كما أن مثل هذه الاعمال تشكل في حال الإفلات والرد بالمثل إلى حالة من تعريض السلم والأمن الدوليين، إلى الخطر، ويضع المجتمع الدولي على حالة الهاوية والخطر الوشيك ما دامت كل دولة تمارس افعالها الاجرامية (مهما بدا تبريرها ) فوق أراضي دولة
أخرى.
المجتمع الدولي معني وملزم بإيجاد وسائل وسبل لإيقاف مثل تلك الجرائم الوحشية، والتي تجعل القانون الدولي الإنساني والاتفاقيات الدولية غير ذات قيمة، وتستهين بجميع الأجهزة القضائية الدولية، ما دامت تعرض السلام العالمي والامن الدولي للانتهاك والخرق، وما دام التمييز في النظر إلى الأفعال الجرمية التي يرتكبها عدد من المسؤولين في دول تمنحهم الحماية، وحتى يمكن أن تتوقف حرب الطائرات والصواريخ المسيرة، والتي تعني استغلال سيئ وبشع للتكنولوجيا المتطورة، التي ينبغي أن تكون لخدمة الإنسانية، بدلا من الهجمات المركزة على الشخصيات المدنية أو العسكرية بطرق الاغتيال وانتهاك الحياة البشرية.
المجتمع البشري اليوم أمام محنة عليه أن يواجهها، بشجاعة وأن يجد لها طرقا لمعالجتها، واتفاقيات ملزمة تخضع مرتكبيها مهما كانت مناصبهم أو مراكزهم للمسؤولية الجنائية والمحاسبة الجزائية، أننا نقف اليوم على اعتاب حافة حرب لا يستعمل فيها البشر في المواجهة، إن كان في نية من يمثل تلك الدول في الأمم المتحدة البحث عن طرق لحماية البشر من حروب تفتك بهم ويمكن ان نقف جميعا لإيقافها بأقل الخسائر
الممكنة.