الوعي الصحي.. ثقافة مجتمع

آراء 2024/08/05
...

سوسن الجزراوي

الاستخدام (المزمن) للموبايل مثلا هو من ضمن هذه السلوكيات التي نتحدث عنها، هذا الجهاز الصغير الذي دمر الفقرات والنظر والاعصاب وشوه الذائقة، وساهم بنشر مفاهيم خاطئة، أثرت بالتالي في (الصحة النفسية)
الثقافة الصحية، ( هيلث كلچر)، هذا المصطلح الذي يصنف كواحد من أهم وأخطر المفاهيم الثقافية، التي بدورها تتفوق على الادب والشعر وباقي الفروع العلمية الهندسية والإنسانية بشكل عام، مع كل احتراماتي لفروع الثقافة الحياتية أعلاه.
وربما أن من قال: العقل السليم في الجسم السليم، كان يشير بشكل واضح وصريح ومباشر، إلى ضرورة أن يكون الوعي الصحي ضارباً جذوره بقوة في أساسات بناء الانسان.. وهذا تحديداً ما جعل الكثير من دول العالم، سواء الغربي أو العربي، يهتمون بشكل كبير بموضوعة (التأمين الصحي)، لما له من فوائد كثيرة تسهم في توفير غطاء مادي للانسان بغية الاعتناء بصحته، سواء ما كان منه انظمة الفحص الدوري، العمليات، الادوية وغير ذلك من ركائز الصحة.
وموضوعي هذا لا يتناول بشكل محدد قضية الصحة الجسدية حسب، بمعزل عن باقي التصرفات الخاطئة، التي نمارسها جميعاً بقصد أو غير قصد، فقط لأننا (نحجّم) الوعي الصحي ونغيّبه بحجة أو باخرى، متناسين أنه أساس نهضة الانسان الفكرية! بل إن ما أكتبه اليوم، يتوقف عند الكثير من المحطات، التي تحولت إلى واقع مفروض أو أبجديات لا غنى عنها.
فلو راجعنا بصورة سريعة سلوكيات الفرد العربي تحديدا، فكم سنجد من ثغرات عميقة مؤذية وخاطئة، تهدم صحة الانسان، نقف امامها كمتفرجين ومستمتعين بها أحياناً!
فالاستخدام (المزمن) للموبايل مثلا هو من ضمن هذه السلوكيات التي نتحدث عنها، هذا الجهاز الصغير الذي دمّر الفقرات والنظر والاعصاب وشوه الذائقة، وساهم بنشر مفاهيم خاطئة، أثرت بالتالي في (الصحة النفسية).
كذلك الادمان على تناول المسكنات بشكل كبير ودون استشارة الطبيب، هو واحد من العلامات السلبية، التي نشير اليها، إضافة إلى (امتهان) حرفة الصيدلة والاجتهاد على بعضنا البعض بنصائح مجانية نمنحها لهذا أو ذاك، اذا ما سمعنا عن ألم اصابه أو علّة حاصرته، فنقوم بنقل تجاربنا وترشيح اسم هذا الدواء كحل (سحري) لشفاء الأمراض! ناهيك عن مراجعة الصيدلاني والاستئناس برأيه دون الرجوع إلى الطبيب المختص.
وفيما يتعلق بالنظام الغذائي الذي نتناوله، فحدث ولا حرج، وهذا المبحث تحديدا يذكرني بحكاية طريفة حدثت أمامي يوما، حين انتقدت امرأة ألمانية عائلة عراقية يتناولون وجبة متكاملة من المعكرونة والخبز والرز في ذات الوقت، متساءلة: ترى هل تدركون انها مجموعة من النشويات الضارة؟ فوجبتكم خالية من التنوع الغذائي! كذلك ينطبق الامر على مدمني اللحوم التي تفتقر أطباقهم، الخضراوات المساعدة على الهضم، والتي تستضيف المشروبات الغازية، ضيفاً دائم العضوية،، اما توقيتات الأكل فهذه بحد ذاتها ( كارثة )، اذ كما يقال للطرفة: الليل كلة عشا ! وقس على ذلك.
وبشكل عام، فان الشعوب العربية، شعوباً كسولة لا تمارس الرياضة كدعامة اساسية للصحة، بل أحيانا للتسلية فقط أو التقليد الاعمى لهذا الصديق أو تلك الصديقة، عبر ارتياد (الجم )، أو المشي أو السباحة،، والحقيقة أن الرياضة لهي عنصر مهم جدا وجدا في الحياة اليومية للإنسان، حتى وإن جاءت بأبسط صورها، فالحركة تسهم بشكل فاعل في دعم الدورة الدموية وتنشيطها، كذلك تنشيط الجهاز العصبي وتحفيزه وتقوية العضلات والعظام وغيرها من الأجهزة الحيوية من الجسم.
وبمناسبة الحديث عن الرياضة، نرى أن الكثير من المدارس اليوم، لم تعد تكترث بمادة (الرياضة)، باعتبارها عنصرا حيويا من المنهج الدراسي، لا يقل شأنه عن شأن أي درس آخر مهما كان، فهي ان اهتمت بهذا الفرع التعليمي، فانما تمنحه تميزا بين باقي الحصص، منبهة الطالب في الوقت ذاته على أهمية (الرياضة) وضرورة ممارستها دون تأجيل، وبالتالي فان هذا كله يسهم بشكل كبير في بناء صحة الانسان الجسدية والنفسية.
لذا، أود هنا، أن استوقفكم امام هذه الملاحظات، التي ندركها جميعاً، الا اننا نغض الطرف عنها، مؤكدة أن الوعي الصحي والعادات الصحيحة في غذائنا، لها الدور الاكبر في بناء مجتمع معافى قادر على الابداع والتفكير
 السليم.