علي رياح
مرة أخرى أعود لأشاهد فيلم (4-2-4)، الذي تدور أحداثه وشخوصه في فلك كرة القدم ضمن إطار كوميدي صِرف ربما يصل في بعض الأحيان حَدّ الترهّل، أو حتى الإسفاف، يحمل في جانبه الآخر دروساً مَكرورة عن النجومية في الساحرة المستديرة، وكواليسها الخفيّة، ودروبها الوعرة.
هذا الصنف من الأفلام كان يلقى رواجاً شديداً في مطلع الحقبة الثمانينية نظراً لتعلـّق الناس بكل ما يَمتّ للكرة بصِلة، فكيف يكون الأمر إذا كان الأبطال هنا سمير غانم وأمين هنيدي ويونس شلبي ووحيد سيف وجمع كبير من الكوميديانات أو (اللاعبين) يتصدّرهم المُغنّي الشعبي أحمد عدوية الذي كان يعيش في ذلك الوقت فترة انتشار عجيبة، وقد حاول الفيلم استثمار نجاحه الشعبي.
كان الجمع هذا من أصحاب الروح المرحة والدعابة كفيلاً بأن يوفر للفيلم نجاحاً جماهيرياً كبيراً، حتى لو لم ترق هذه الحقيقة للنقاد المتزمّتين الذين يرفضون شعار (الناس عايزة كده) ويَدعون إلى الأفلام الملتزمة.
في المرة الأولى لمشاهدتي الفيلم في سينما النصر خالدة الذكر، كنت اتقلـّب على مقعدي مُستغرقاً في الضحك المتواصل.. فالمهم أنني إزاء وجبة كوميدية خفيفة ترتبط بأجواء الملاعب المصرية التي ترى فيها العجب.. لكنني وخلال مشاهدة لاحقة، اكتشفت أن الفيلم يحمل دروساً عميقة في فهم كرة القدم بعيداً عن قالبه الكوميدي.. لقد استوقفني حوار يدور بين مالك النادي ومدير الكرة حول أخلاقيات النجوم وتحوّلهم من هَم البحث عن فرصة إلى الغرور الجارف بعد أن ينالوا قسطاً من أجواء الشهرة وأضوائها..
يقول المدير لمالك النادي بعد أن تمرّد لاعبو الفريق قبل إحدى المباريات المهمة ورفعوا سقف مطالباتهم إلى درجة مستحيلة.. (اتمنى لو أن كل نادٍ يفتتح في مدخله معرضاً كبيراً يضع فيه صور لاعبيه حين يدخلون النادي للمرة الأولى بمظهرهم الشخصي المتواضع، وبالخجل الذي يغرقون فيه، والعوز الذي يدفعهم إلى قبول أي عرض، فقط من أجل أن يضعوا القدم الأولى في الميدان ويسدوا رمق عيش عوائلهم التي داسها الفقر وضيق ذات اليد).
هنا يتساءل مالك النادي: وما المعنى من هذه الفكرة؟
ويأتي الرد: لكي يتذكروا، لدى دخولهم كل يوم، كيف كانت البداية وعلى أي نحو انضمّوا إلى النادي، ثم كيف تحوّلوا إلى الغرور والطغيان والدلال بمجرد أنهم نجحوا مع الفريق، وكيف أنهم قلبوا للنادي ظهر المِجَن وصاروا يتبطـّرون على ما كانوا يعتبرونها نعمة عليهم.
الطبيعة البشرية غارقة في النسيان.. نسيان اليد التي تمتد لكي تعين أو تساعد أو تنتشل من واقع مُر.. وفي أنديتنا، وفي تصرفات كثير من لاعبينا نجد هذا المشهد كثيراً.
ففي ظل احتراف عشوائي نعيشه تحت ذريعة مسايرة العالم المُحيط بنا، لا نجد إلا ما ندر من قصص الوفاء ورَد الدين أو الجميل، لكي نكتبها هنا.. فالعقوق صفة، والجحود (ميزة)، ولا أرى في يومنا هذا قصصاً كثيرة للوفاء تستحق أن تروى في هذا المكان.. وأسأل الله أن يضع أمامي ذات يوم قريب مثل هذه القصة، وأن يلهمني – في حينه – قدرة الكتابة فيها وعنها.