علي الخفاجي
الإلقاء السيئ، واللغة الركيكة، وعدم النطق الصحيح لمخارج الحروف، أهم السمات المشتركة لكثير من مقدمي القنوات الفضائية، الأمر الذي يجعل المتلقي المهتم مكتفياً بقراءة التايتل، عوضاً عن الصوت النشاز لقارئ الخبر، ومن ثم يذهبُ مضطراً للبحث عن التفصيلات في وسيلة أخرى
لنتفق من حيث المبدأ ان الإعلام رسالة، إذن وبما انه كذلك يجب أن تكون الرسالة المؤداة واضحة وجلية متخذة من الشفافية منطلقاً لها تؤثر ولا تتأثر تهدفُ لإظهار الحقيقة، بعيداً عن التسويفِ والمحاباة وتسعى لنقل الصورة كما هـي وأن لا يقتصر دور هذه الرسالة في نقل الوقائعِ والأخبار فحسب، بل يعتبر وسيلة وإداة ناقلة لصوت المواطنين ونقل معاناتهم لأصحاب الشأن والمتصدين لموقع المسؤولية، ما تم ذكرهُ آنفاً يلخص دور الإعلام بصورة عامة وما يجب أن يكون عليه، هنا ولكي تلتصقُ الفكرة بالفكرة ولكي لا نذهبُ بعيداً ونسهبُ بالحديث عن الإعلام بصورة عامة وما هو دوره وكيف يجب أن يكون، نخصص حديثنا عن بعض الحالات التي أمست تؤرق جمهور كبير من المتلقين وبدأت تنتشـرُ كثيراً وهي ظاهرة الأخطاء اللغوية والنحوية لدى البعض من مقدمــي البرامج والنشرات الإخبارية، نعم أصبحت ظاهرة نتحسسُ منها أنا وغيري الكثيرين من الذين لا يتحملون النشاز في اللغة بالتأكيد عن غير ذي عمد ولكن بسبب عدم تمكنهم من اللغةِ وقواعدها وهذهِ هي الطامة الكبرى، وكما يضاف إلى تلك الظاهرة ظاهرة البهرجة اللغوية في كثير من الأحيان بمعنى؛ بدلاً من أن تتسمُ النشرة الإخبارية بالسهولةِ والوضوح، وتفهم من قبل الجميع دون تكلفةٍ وتزويق ببعض العبارات يعمدُ هنا محرر الخبر والمذيع إبراز أكبر قدر ممكن من الاستعراض اللغوي، متناسين بأن المشاهدين أو المستمعين متفاوتون في الثقافة والتعلم والأعمار، لستُ من المتخصصين في اللغة العربيةِ وآدابها وقواعدها ونحوها، كما اني لست من الذين يعمدون ويتقصدون الانتقاد بشتى أنواعه، لكني وحسب ما اجدُ نفسي أشخص بعض الأمور، التي أراها تحتاج إلى تشخيص ومعالجة ربما أصيب وربما أخطأ جاعلاً جميع الاحتمالات في مرمى الهدف.
كعادته اللطيفة وهو يسأل عن كل صغيرةٍ وكبيرة من باب حب التعلمِ والإطلاع وأثناء جلوسنا المعتاد في المنزل سألني ولدي عن عبارة ذكرها أحد مقدمي نشرات الأخبار في إحدى القنوات الفضائية العراقية، حيث ذكر عبارة (حــَنق) وكانت النشرة الإخبارية عن المناظرة الأخيرة بين مرشحي الرئاسة الأميركية للانتخابات (ترامب وبايدن)، حيث تناول المقدم الجهبذ وهو يستعرض إمكانياته اللغوية الحديث التالي ((وتناولت الوكالات الإخبارية العالمية المناظرة الرئاسية للانتخابات الأميركية بين مرشحــَي الانتخابات دونالد ترامب والرئيس الحالي بايدن، وبعد سؤال موجه من قبل السيد بايدن عن علاقة ترامب المشبوهة مع إحدى السيدات، حيث بان (الحَنق) على ترامب واستطاع بعد حين تدارك الموقف))، وهنا وبعد إجابته عن معنى هذه الكلمة، والتي تعني حسب تعبير أهل اللغةِ والمعاجم بمعنى سَخطَ، واشتد غيظهُ، تساءلت لماذا استخدم المقدم هذه العبارة القوية، والتي كان بالإمكان الاستعاضة عنها بمفردةٍ واضحة وسهلة بالنسبة للمتلقي، وانا أستمعُ لهذا المذيع الفذ صاحب اللغة العالية تذكرت أحدهم وترحمتُ عليه كثيراً، وهو المذيع الكبير غازي فيصل صاحب الصوت الرخيم واللغة المتماسكة والذي أتذكر لهُ لقاءً تلفزيوناً وعند سؤالهِ عن كيفية تقديمهِ للإذاعة والتلفزيون فأجاب؛ مررتُ بأكثر من اختبار من قبل أساتذة متخصصين من حيث سلامة اللغة ونطق مخارج الحروف والثقافة العامة، وبعد حين وبعد اجتياز الاختبارات أجُيز لي أن أكونَ مذيعاً، وقبل نهاية البرنامج سألت المذيعة الأستاذ غازي فيصل هل لك من كلمة قبل أن نختم، أجابها وبهدوئهِ المعتاد نعم انصح الجيل الجديد من المذيعين أن يستخدموا اللغة السليمة، المستساغة، المفهومة كي تصل لجميع المتلقين، وبدأت هنا المقارنة بين ذاك وهذا.
الإلقاء السيئ، واللغة الركيكة، وعدم النطق الصحيح لمخارج الحروف، أهم السمات المشتركة لكثير من مقدمي القنوات الفضائية، الأمر الذي يجعل المتلقي المهتم مكتفياً بقراءة التايتل، عوضاً عن الصوت النشاز لقارئ الخبر، ومن ثم يذهبُ مضطراً للبحث عن التفصيلات في وسيلة أخرى، فبالإضافة إلى التشوه السمعي اعتمدت الكثير من وسائل الإعلام على مقدمات برامج ونشرات إخبارية متصنعات المظهر بصورة مبالغ بها، مستخدمين تلك الوسيلة لجذب أكثر عدد ممكن من المتلقين دون مراعاة المحتوى والمادة الإعلامية، مما يجعل الأمر غاية في السوء، وبما إن الحال كما هو الآن ولكي لا تسوء الأحوال اكثر مما يجب نرى أن دور معاهد التدريب الإعلامية المتخصصة والمنتشرة بصورة كبيرة، وهنا أتحدث عن (الحقيقة) منها المختصة بإجراء دورات إعلامية، يجب أن يكون دورها دوراً فعالاً وأن تسهم بتخريج إعلاميين أكفاء لرفد المؤسسات الإعلامية بأشخاص قادرين على إيصال الخبر بالصوتِ والصورة السليمين.
لسنا بصدد عمل مقارنة بين الماضي والحاضر، كون العالم وحسب وصف العالم والفيلسوف الكندي ماكلوهان أصبح قريةً صغيرة، بفضل تقنيات وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، ونتيجة لذلك ظهرت الكثير من المتغيرات التي طرأت على الواقع، وأصبحت معتادة نتيجة تطبع الناس عليها، وبلا شك أن الإعلام كما غيره من القطاعات تأثر بالتطور وأصبح يتمتع بنسقٍ غير عن ذي قبل، من حيث اتساع الحرية وتعدد الوسائل، وبالتالي اختلاف الطرح في تلك الوسائل، فمنها ما يكون موجهاً ومنها ما يكون محدداً لفئة دون غيرها، وهكذا حسب الهدف المنشود، الحديث عن الإعلام المحلي أو حتى نكون منصفين ولا نعمم، أن الأعم الأغلب من مؤسساتنا الإعلامية لا تعــي أهمية ودور هذه الوسيلة، من خلال ما تقدمهُ من نشرات وبرامج وحتى تقارير، ولا تعيرُ اهتماماً للمشاهد أو المتلقي، جاعلة منه وسيلة لقياس نسبة المشاهدة دون إضافة أي معلومة أو مساهمة، لتثقيفه من خلال ما تقدمه مستغلة بذلك جهل المجتمع وانحداره الفكري، معتمدة على مقدمـــي برامج ونشرات إخبارية لا يصلحون أن يكونوا كذلك، وفق الأبجديات العلمية للإعلام، لذا نرجو ونتأمل من مسؤولي القنوات الفضائية والإذاعية أن يحسنوا اختيار مقدميهم، وأن يراعوا ويحترموا الذائقة البصرية والسمعية للمشاهد والمتلقي وأن يعتمدوا ولو قليلاً على معياري القدرةِ والكفاءة بعيداً عن المحسوبية والوساطة.