خالد جاسم
نحن أمة لا تحسن التعامل مع رجالاتها وأبطالها، وهي مشكلة أزلية يعيشها العراق والعراقيون منذ الأمس، ومستمرة اليوم وتبقى قائمة في الغد .. نحن نتعاطى حشيش اللحظة وندمن شراب عشق البطولة الآنية، فنطلق الرصاص ونرقص حتى الصباح لمجرد فوز بلقب أو بطولة، ونجعل من المدرب - إلهاً - من تمر سرعان ما نلتهمه في لحظة جوع، كما كان يحدث في الجاهلية قبل ظهور الإسلام، وعندما نحرم لذة الفوز ونتذوق مرارة كأس الهزيمة، نشعل الأرض غضبا ونقمة على المدرب ومن يقف وراءه ..إنها خدعتنا لأنفسنا تماما، وهو نزقنا ومزاجيتنا ونظرتنا إلى الأمور بمسافة لا تتجاوز العين إلى الأنف ليس أكثر، وما أعظمها من تفاهة وتسفيه لواقع حال مضطرب هو من صناعتنا بامتياز .
ازدواجيتنا في المشاعر وانفصامنا المزمن في المواقف في عالم الرياضة، أصبحا أسطوانة مفضوحة جدا، وأصابا كثيرا من العاملين في عالمنا الرياضي، حيث تتقلب الآراء وتصبح المواقف عرضة لمزايدات مفضوحة، وهو ما تجسد بشكل واضح وصريح في أزمات اتحاد الكرة المستمرة، حيث يمارس بعضهم لعبة ازدواجية المصالح وتغيير بوصلة الأفعال تبعا لمنطق الربح والخسارة، كما فعل عديدون في مهاجمة اتحاد الكرة علنا ولم يترددوا في المضي بمزيد من الهجمات في تعبير بائس عن اليأس والإحباط، بعد أن فشلت محاولاتهم خلف الكواليس في استحصال منفعة أو تحقيق صفقة مع اتحاد الكرة الذي صار مادتهم الدسمة في النقد والانتقاد، سواء تحت مظلة الموضوعية والحرص أو خارجهما، كما يعاود هذا البعض الانتهازي المصلحي الذي يرتدي ثوب القداسة زيفا، وادعاء بطولة كارتونية مضحكة نفاقا صريحا، عبر الدفاع عن اتحاد الكرة في تغيير دراماتيكي مثير للشفقة والأسى، لأن مسؤولا في الاتحاد لوح له بعصا التهديد بصورة أو بأخرى، لكنها صورة تجتمع عندها ألوان الزيف والخداع التي يمارسها هؤلاء في لعبة مكشوفة الأبعاد والاتجاهات، تتحكم في مساراتها بوصلة المصالح الخاصة أولا وأخيرا.
وعود على بدء، كان مدربنا الوطني القدير راضي شنيشل ضحية جديدة – قديمة، على درب التضحية لمن سبقوه وكانوا قرابين على مذبح النجاح الذي نسحق فيه هؤلاء الرجال ونذبح رقابهم بسكين عراقية خالصة، تحت مختلف المسميات وشتى أنواع الأسلحة، فبعد أن اغتالت رصاصات مزاجيتنا ونزقنا وتطرفنا أحيانا البعيد عن الموضوعية، قامات تدريبية عراقية كبيرة، يحضرني منها أنور جسام وعدنان حمد ويحيى علوان ونزار أشرف وأكرم سلمان ورحيم حميد وباسم قاسم وحكيم شاكر وغيرهم، كان الدور على شنيشل الذي رفعناه إلى السماء عندما نجح في بطولات سابقة، قبل أن تأتي عملية اغتيال صريحة لنجاحات هذا المدرب الوطني بطعنة عراقية، في ضوء ما حدث لفريقنا الأولمبي في الأولمبياد الجاري في فرنسا، برغم يقيني بحدوث أخطاء صريحة ما كان على راضي ارتكابها، وأتمنى على من يناصب هذا المدرب العراقي الغيور العداء والضغينة تحت مختلف المسميات والدوافع والأسباب، أن يعيد النظر في مواقفه حتى لا نخسر هذه الماركة التدريبية العراقية اللامعة، كما خسرنا من قبله رجالا صالحين في دنيا التدريب بفعل ما نرتكب من حماقات، فأنصفوا راضي شنيشل وحافظوا عليه قبل أن نفقده كما فقدنا من سبقوه، وليتذكر كل من يشهر سيف الظلم، أن على الباغي تدور الدوائر طال الزمن أم قصر .