مختصون: الردات الحسينيَّة أثرت في روحيَّة الملحن العراقي

ثقافة 2024/08/07
...

 بغداد: رشا عباس
 تصوير: نهاد العزاوي

عند سماع بعض الردات الحسينية، يراود مسامع البعض أنها قريبة من ألحان أغنية عراقية قديمة، وهذا الأمر بدأ يخلق نوعاً من الالتباس عند عامة الناس، أما المختصون والأكاديميون، فقد أوضحوا أوجه التقارب من خلال استطلاع أجرته "الصباح" بغية تسليط الضوء على مدى تأثير الردات الحسينية في الأغنية العراقية.
 وأجمع المتحدثون على أن البيئة التي نشؤوا فيها هي أول الأسباب، التي نمت ذائقتهم عليها.  

الإيقاعات المستعملة
يقول الملحن ابراهيم السيد: الإيقاعات المستعملة في الردات الحسينية هي أوزان معروفة في الغناء العراقي وغالباً ما يستعمل ميزان الوحدة ولكن بدون "تكوك" أي الضرب على الضغط القوي من المازورة "بالدم" بمصاحبة البيزدرام (الطبل الكبير) والسنبل (الصنج) فضلاً عن استخدام الموازين بطريقة خفيفة وسريعة كالهيوة والهجع، أما من ناحية الأداء الصوتي فأضاف السيد أن التأثر واضح، لا سيما بأطوار الغناء الريفي ذات الطابع الحزين وهنا يبدأ القارئ أو الرادود باستخدامها في سرد القصة ومن دون مصاحبة إيقاعية، أحياناً تؤخذ ثيمة بعض الردات من أغنية وتبنى عليها الردة، فالكثير من الفنانين وثقوا هذا الحزن الكربلائي في أعمال مثلت العراق في مختلف المحافل
العربية.

البيئة اللحنيَّة
أما الفنان جواد محسن فبين أن الحزن هو الذي يلف الحياة ويسكن الأرواح الضائعة، فكان الملحن العراقي وريث هذه الأشكال اللحنية ومعبراً عن صدق انتمائه لها، فجاءت ألحانه امتداداً لهذا الحزن ومحاكاة له، في دراستنا لبعض هذه الألحان وجدنا
ما يشبه التناقض بين أسلوب الملحن المعاصر وطبيعة البنية اللحنية للأساليب الدينية السائدة في البيئة العراقية، وأغنية "لا تلوموني" للفنان جعفر الخفاف تستلهم الصيغة الحسينية "يمة ذكريني من تمر زفة شباب" لحمزة الصغير، فهنا تطابقت روح جعفر الخفاف مع تاريخ مدينة النجف حد التماهي معها في إنتاج الدلالات اللحنية
نفسها، وهذا أمر نكاد نلاحظ صياغاته لدى الملحن محسن فرحان وهو يجوب أزقة كربلاء ليلة العاشر من محرم ويصغي إلى تلك الملحمة فكانت "غريبة الروح  لاطيفك يمر بيها" مناجاة للشهيد وهو يغادر المشهد الملتبس، كذلك كوكب حمزة في مدينة القاسم يتلمس خطوات الغريب في مدينة لا يعرف أسرارها فكأن "ياطيور الطايرة" تعبر عن رغبة القاسم في الحنين إلى أهله والاحساس بضياعه في الأرض الجديدة، وكذلك محمد جواد أموري في طويريج يلامس حدود الصوت الذي ينادي لنصرة البطل وهو في خضم صنع ملحمة البطولة
التاريخية.
مؤكداً أن الغناء العراقي المعاصر قد تأثر كثيراً بالأشكال اللحنية الدينية، وتحديداً الحسينية من خلال انتماء الملحن إلى البيئة
التي أنتجت هذه الأشكال وأبدعت في صياغتها.  

رسالة بوح
من جانبه، أشار الفنان نجاح عبد الغفور إلى أن اشتراك الأغنية العراقية مع الردات الحسينية بطابع الحزن أثر بالنفوس تأثيراً واضحاً، مبيناً أن الأغنية العراقية إحدى طرق التعبير عما يدور في النفس وأن الردات الحسينية، هي رسالة بوح لهذا المكنون الإنساني الأصيل، لذلك يلتقي الاثنان  في أكثر من مجال
وموقع.
وفي الختام، أوضح الدكتور حبيب ظاهر أن ما يتلى في الطقوس الدينية ومنها الردات الحسينية، هي أنماط غنائية شأنها شأن الموشحات والمونولوجات وأطوار الأبوذية والموال وإلى ذلك.. إلا أنها تختلف عن تلك الأنماط بطابعها الحزين وكلماتها التي تستعرض واقعة كربلاء وما دار فيها  بشهر عاشوراء وهي في أصولها مطوقة بنظام ومقامات تسير وفقاً لإيقاعات معينة، وبناء على هذا لوحظت بعض الألحان التي ذاع صيتها في حقبة السبعينيات من القرن الماضي، وظهور ألحان أنتجها بعض الملحنين الذي نزحوا من الفرات الأوسط والمناطق المجاورة والتي اتسمت بالطابع المشحون بالأجواء الحسينية وما يقدم فيها مع تغير في كلماتها من دينية إلى
عاطفية.