الماء.. جفاف وشحّ ومعالجات ترقيعيّة

ريبورتاج 2024/08/08
...

 صباح الخزعلي

بسم الله الرحمن الرحيم "وجعلنا من الماء كل شيء حي "، سورة الأنبياء: آية (30)، لا تسرفوا في الماء ولو كنتم على نهر جار، الماء سبب لكل حياة والحياة كل شيء، أمر لا يقبل التأويل وتغيير الحقائق بأن الماء سر الحياة، وهو اكسيرها الذي لا يمكن الاستغناء عنه وسبب عيش جميع المخلوقات، وفي بلدنا العزيز نهران شحت فيهما المياه لأسباب عديدة من قبل بعض دول الجوار، ومع وجود شحة كبيرة في المياه يقابلها هدر من المستهلكين، وحلول ترقيعية لمواجهة المشكلة من قبل القائمين على موضوع الماء الذي خاضت فيه (الصباح) لكونه موضوعاً حيوياً وحساساً، ليس في فصل الصيف وحسب، بل في جميع أشهر السنة 

وفصولها الأربعة. 

وخاضت بهذه المعضلة، إذ قال الإعلامي قيس المرشد: واقع الحال في بغداد وبقية المحافظات في ما يخص خدمات البنى التحتية المتعلقة بقطاع المياه الصالحة للشرب، ليس بمستوى الطموح، على اعتبار أن أغلب المشاريع نفذت منذ أمد طويل في وقت كانت مخصصة لأعداد ونسب معينة من السكان، ومع الزيادة العددية في أعداد السكان مع مرور الوقت، بدأت هذه المشاريع لا تلبي احتياجات الأهالي سواء في بغداد أو بقية المحافظات، فزيادة الطلب على الماء، لا تتناسب والاطلاقات المائية من قبل أمانة بغداد، أو بقية الدوائر المعنية بايصال المياه الصالحة للشرب للمواطنين، ولهذا نجد استمرار عملية انقطاع وصول الماء إلى عدد كبير من المناطق والأحياء السكنية، ليس هذا فحسب فقدم مضخات المياه وطرق المعالجة أيضاً لم تزل تحدث بصورة تقليدية كلاسيكية ومع زيادة الضغط على هذه المحطات، نلاحظ بين فترة وأخرى انعدام جودة مياه الشرب الواصلة للمواطنين.

ويضيف المرشد، أن "ما يتعلق بالمشاريع الجديدة التي من المفترض أن تنفذ في بغداد وضواحيها وكذلك بقية المدن وضواحيها، لم تكن كفيلة بمعالجة هذه الأزمة، بل أكثر هذه المشاريع للأسف ولقلة المتابعة وكثرة حالات الفساد والروتين والابتزاز التي رافقتها، قد باتت متلكئة منذ سنوات طوال وكلفت الدولة أموالاً طائلة دون أية جدوى".


استهلاك وهدر

بينما قالت السيدة نور الجبوري: "نشاهد شباباً يغسلون السيارات في مناطق متعددة من بغداد، ومصدر تلك المياه هو ماء الاسالة من أنابيب المياه، وعبر مضخات تسمى "بالحرامي" تسحب المياه لأنابيب الغسل بكميات كبيرة وتدفق عالٍ، وهم يعملون في الهواء الطلق من دون رقيب أو حسيب، ويؤثرون بشكل كبير جداً في كمية المياه الواصلة لعموم المستهلكين، والتي تنتج عبر جهود وأعمال دائرة الماء، ومن منبركم هذا نوجه برقية مستعجلة إلى أمانة بغداد، ودائرة ماء بغداد لحماية أنابيب ضخ المياه ومحاسبة المبذرين بالثروة المائية، خصوصاً ونحن مقبلون على فصل الصيف، حيث شدة الحرارة وشحة المياه وكثرة من يرشون الشوارع بمياه الاسالة".

وأشارت إلى أن "هناك أيضاً زيادة بأعداد ورش وكراجات غسل السيارات النظامية حيث تكون في الشوارع والساحات العامة والفرعية، لأن الماء هو ثروة ثمينة جداً لا يشعر بها إلا من فقدها".


ابتزاز وضغوطات

الإعلامي مؤيد الفرطوسي بدوره قال لـ (الصباح): "أعتقد أن هنالك مشكلة كبيرة نعاني منها في قضية المياه من شقين أو محورين، الأول دولي، وسببه قلة الاطلاقات من دولة المنبع تركيا التي تستخدم وتستغل المياه مع العراق بشكل سياسي، وتبتز به بلدنا، 

وتحاول أن تستخدمه كورقة ضغط على بغداد والكلام في هذا الجانب طويل، وكذلك المشكلة قائمة مع إيران التي حولت بعض روافد النهر إلى داخل أراضيها، وتسببت بأذى لوطننا الحبيب". 

يتابع الفرطوسي "أما الجانب الثاني فهو محلي مرتبط بثقافة المواطن التي لا تعتمد على التدبير في مسألة المياه، بل نجد التبذير هو السمة الأعم لغالبية مواطنينا بعكس الكثير من شعوب العالم التي تتعاون مع حكوماتها في عملية الحفاظ على مواردها المائية، لا سيما أن العالم يشهد مشكلة جفاف وتصحر على نطاق واسع في الكثير من الدول، وفي ظل مشكلات الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية التي يعيشها كوكبنا، هذا التشخيص جاء بعجالة لمشكلتنا مع غياب أو فقدان ثقافة الحرص على مواردنا الطبيعية ولا سيما المياه".

ثقافة الترشيد

أما الشيخ علي الغزي فبيّن: أن "شحة المياه قسم منها تقصير من قبل الدوائر البلدية، وقلة الوعي من قبل المواطن في الترشيد والاستهلاك الأمثل للماء، وفي السابق كان يتم تزويد المواطن بطريقتين، الأولى الماء الصالح للشرب، والثانية الماء (الخام) للسقي وغسل السيارات والمنازل، أما الآن فبسبب اعتماد المواطن على الماء المكرر (الارو) والمعبأ، أصبح اهتمام الأمانة بجودة المياه ليس بالمستوى المطلوب، وكذلك انخفاض منسوب نهر دجلة أدى إلى قلة تزويد المواطن بالماء، والسبب الأهم والأخطر اعتماد معظم محطات الماء في التشغيل على الكهرباء الوطنية، وفي حال انقطاعها لا تعمل المولدات التي تعمل بالديزل، بسبب الفساد الذي أخذ ينخر بجسد البلد، ووصل الأمر بالموظف المسؤول عن تشغيل المحطات إلى بيع مادة الكازولين أو الديزل دون حساب ورقيب".

يؤكد الغزي لـ (الصباح) أن "الحل الأمثل هو في تقنين الأنهر، وجعل المحطات تعمل بالطاقة الشمسية بدل الكهرباء، وكذلك اعتماد مشاريع جديدة بدلاً من الشبكة القديمة التي تتسبب في هدر المياه، إضافة إلى إعادة العمل بعدادات الماء والجباية من المواطن، ومحاسبة الذين يستعملون الماء الصالح للشرب للري من قبل بعض أصحاب الأراضي الزراعية، وتوعية المواطن بعدم الإسراف".


تجاوزات

وأوضح رئيس شبكات الرصافة، بدائرة ماء بغداد المهندس عبير منشد علي أن "أسباباً عديدة أدت إلى حدوث شحة في المياه وخاصة في فصل الصيف بمناطق أطراف بغداد ضمن حدود أمانة العاصمة، ومنها التوسع السكاني والتزايد السريع في المناطق العشوائية والمناطق الزراعية، وهذه أدت إلى استهلاك كميات كبيرة من الماء الصالح للشرب، وعدم ترشيد الاستهلاك من قبل المواطنين، وكثرة التجاوزات على خطوط شبكات توزيع المياه، وكذلك عدم استقرار شبكة الكهرباء الوطنية، وفي كل دائرة هناك قسم للتجاوزات مختص برفع تلك التجاوزات بمختلف أنواعها، وهناك تنسيق مستمر بين دائرة ماء بغداد وجميع الدوائر البلدية برفع التجاوزات التي يتم رصدها أو ورود شكاوى بوجودها، وتعمل دائرة ماء بغداد على توفير الماء الصالح للشرب الذي يعتمد على مرحلتين، الإنتاج من خلال تنقية ماء النهر وفق آلية خاصة خاضعة للمعايير الدولية، ومن خلال التوزيع عبر الخطوط الناقلة إلى الشبكات الفرعية للمحلات السكنية، وهناك عمليات صيانة للأنابيب الناقلة التي يكون حجمها أكبر من 250ملم، والأقل هي مسؤولية أقسام الماء في الدوائر البلدية، والدائرة تستقبل أي شكوى بخصوص وجود كسر أو نضح بالأنابيب في أي منطقة، وكذلك الحال بالنسبة لجميع الدوائر البلدية".


مسؤولية

واختتم الأستاذ حسن العطواني موضوعنا بالقول: إنه "لا يخفى على الجميع أن الخدمات التي تقدمها دوائر الماء في تصفية وتنقية المياه الصالحة للشرب ليست بالمستوى المطلوب، بل قد تكون بمستوى رديء جداً يصل إلى درجة أن الماء الواصل إلى المنازل غير صالح للشرب، وتتحمل دوائر الماء في أمانة بغداد هذه المسؤولية، أما من الناحية الأخرى فإن المواطن تقع على عاتقه مسؤولية وطنية وأخلاقية وهي ضرورة ترشيد استهلاك الماء وعدم التبذير والإسراف بهذه الثروة المهمة جداً والتي قد تكون غائبة عن مناطق وعن مواطنين آخرين هم بأمس الحاجة لها، كما أن على الحكومة مسؤولية الضغط على دول الجوار من أجل رفع حصة العراق المائية من أجل مواجهة حالة الجفاف التي تهدد مناطق واسعة من البلاد، خصوصاً في المحافظات الجنوبية والوسطى".