خروج الأولمبي… كبوة في الستراتيجية المفترضة للدولة

الرياضة 2024/08/08
...

أحمد الخالصي



يعد من قبيل التكرار سرد أهمية كرة القدم بالنسبة للشعب العراقي، فالواقع متكفل بذلك، ما رأيناه في خليجي 25 كان تجسيداً حقيقياً لعلاقة هذا المجتمع بالرياضة، قبل هذا التاريخ بمدة بدأت الحكومات المتعاقبة تدرك تدريجياً ضرورة هذا المجال المهم، فظهرت بعض بوادر ذلك من خلال إنشاء الملاعب بالمواصفات العالمية، بعد أن كانت الجماهير قبل 2003 محصورة من ناحية البنية التحتية في ملعب الشعب.

الحديث عن خسارة الأولمبي يبدو إلتفاتة متأخرة بالنظر لمرور أيام على خروجه أمام المغرب من أولمبياد باريس “قذرة الافتتاح”، لكن هذا الأمر يصح لو كان هذا المقال رياضياً وهذا مما ابتعدنا عنه منذ العنوان بالأصل، كذلك الكتابة في هذا الوقت تأتي بعد انتهاء الغليان الجماهيري ليثبت حالة امتعاض فعلي وليس الأمر مجرد فورة عاطفية تنتهي بمرور الوقت.

نحن نتحدث هنا فيما يجب أن يكون، وماكان بعض الشيء، أي في إطار انتماء الرياضة إلى ستراتيجيات السلطة حديثاً، نظير دورها الجوهري للدولة ككل، كرة القدم لم تعد شأناً رياضياً بحتاً، بل مجالاً حيوياً للسياسة من خلال عدة أمور يمكننا أن ندعي اختزالها تحت عنوان القوة الناعمة، والذي يدور حول عنصر الجاذبية، أي قابلية الشيء لأن يتبلور كنموذج له القدرة على الجذب، من ثم إنتاج محاكاة مفروضة بقوة هذا العامل على المجذوبين، دون أن يتخلل هذه العملية الإكراه، هذا هو الفهم الشائع للقوة الناعمة، والذي نختلف معه حاليًّاً من حيث نفي الإكراه، إذ نرى حضور الإجبار وبشكل كبير في تطبيقات القوة الناعمة الحاصلة، وهو إكراه نفسي متأتي من طبيعة الضغط الإعلامي والدعاية التي ترافق تصدير النموذج، وبعيداً عن الغوص في هذه التفاصيل، فما يهمنا كون الرياضة ضمن هذا المضمار ستكون نافذة تعريفية للدولة من ثم جاذبة حينما يكون المخاطب هو الآخر أفراداً ومجتمعات، ولعل المصداق الأبرز الذي يؤكد هذا المنحى هو ما رافق كأس الخليج في البصرة، إذا ساهمت هذه البطولة في إعادة إنتاج صورة مثالية للدولة العراقية بعيداً عن ما كانت تقوم به الماكنات الإعلامية المعادية، من ترسيخ الحالة السلبية في ذهنية المجتمعات الأُخرى عن العراق، وهو تتويج لجهد مشترك من عدة جهات وفي مقدمتها الجمهور، ومثال آخر ما زلنا نعيشه ألا وهو ميدالية ذهبية لعداءة من سانت لوسيا كانت كفيلة بجعل الكثير من سكان العالم يبحثون عن هذه الدولة، لنكتشف أيضاً أن جائزتيَّ نوبل والتي تحصل عليها أثنان من مواطنيها، لم تكنونا كافيتين لتسليط الضوء عليها، لوحده انعكاس الذهب الأولمبي عادل بل وتجاوز ما يمكن أن يبذل من جهود ضخمة في سبيل التعريف بهذه الجزيرة الكاريبية.

بعد كل هذه المعطيات وغيرها الكثير مما لم يذكره هذا المقال، تفرض الرياضة وبالأخص كرة القدم (بالنسبة لنا)نفسها كأداة ومشروع ناجح مهم في ستراتيجية الدولة وعلى مختلف المديات، لا فقط الجهات ذات العلاقة من وزارة شباب ورياضة واتحاد كرة القدم والخ…، وتأسيساً على ذلك يجب عدم السماح بأن تمر قضية خروج الأولمبي بشكل طبيعي ، إذا لابد من التعامل مع هذه القضية على أساس كونها فشل جزئي خطر في ظل منظومة متكاملة يراد لها أن تحمل ثقل نجاح الدولة، خصوصاً أنها جاءت في مرحلة حساسة، شهدت تقدماً ملموساً في إدارة هذا المفصل والسعي المستمر لتطويره ومثال ذلك “دوري نجوم العراق”، وهذا لايعتبر تدخلاً سياسياً يحظره الفيفا، لأنه نتاج تكامل أدوار لا تقاطعها بين السلطة وذوي الشأن، فالجميع متفق على المضي بتطوير كرة القدم من جهة، وصيرورتها كقوة ناعمة للدولة من جهةٍ أُخرى، وحتى لو لم تقصد الحكومة هذا الأمر بعينه فإنه يتولد لوحده نتيجة اتخاذ هذه المسارات، مرور هذه الكبوة دون اتخاذ إجراءات حقيقية، يعني العودة للخلف، وتضعيف أهم أدوات الدولة الدعائية والجاذبة في الميدان الدولي.