حسب الله يحيى
شعب العراق.. شعب متعدد القوميات والأديان والطوائف.. ومثل هذا التعدد، لم يكن في أي يوم؛ مصدرا للفرقة والتناحر والخلاف والتقاطع.. وما حصل في سنوات مرة سابقة، من تناحر وتقاطع وقتال؛ لم يكن مصدره المجتمع العراقي، وانما كان لبعض القوى السياسية والطائفية الداخلية والخارجية؛ طرف أساسي في تشويه وحصول المآسي على الأطراف
كافة.
وقد تنبه العراقيون على أهمية الخروج من تلك المآزق السوداء، وبات من الصعب العزف على وتر الطائفية والمناطقية والعشائرية والدينية.. لتفرقة هذا المجتمع المتآخي والمتلاحم والمتفاعل والمنسجم مع جميع مكوناته.. مما جعله خارج اللعبة السياسية والطائفية، التي فشلت هي الأخرى في اتخاذ هذا الطريق والعمل على استمالة طرف على حساب طرف آخر.
العراقيون.. أدركوا جيدا أنهم متنوعو الأفكار والرؤى والأديان والقوميات والطوائف والعشائر والمناطق.. ولكي يعيشوا في سلام؛ لا بد من تلاحمهم في وطن واحد يؤمن لهم القاعدة الأساس في بناء البلاد السعيدة والمزدهرة.
إلا أن ما نجده اليوم وعلى الأصعدة كافة؛ وجود من يفكر بطريقة أحادية وعنصرية من دون أن يعلن عن ذلك، وإنما يدعو إلى ما يطلق عليه (التوازن) في كل شيء. نعم.. التوازن الحقيقي سليم ومطلوب وجيد، ولكن ليس على حساب القومية والخبرة والكفاءة والمقدرة والتفوق. التوازن.. لا قوم على الإخوانيات والعلاقات الشخصية أو الفئوية؛ وإنما إقرار مسألة أن كل العراقيين متنوعو المشارب والقيم والرؤى، وهذا ما يجعل الأمور قابلة للتفاهم والتلاقح والانسجام، وليس التقاطع والتفرد والعمل الضدي نحو الآخرين.
إن أشجار وأزهار أي منزل تضم نباتات متنوعة، ولكنها تحيا في مكان واحد تجمعها حديقة
واحدة.
والكتب.. هذا الانسان الحي الذي يجاهر بكلماته على صفحات الورق، يتنوع فكرا واهتماما وتخصصا لكنه لا يحرق بعضه البعض الاخر، فكل الأشياء يمكن أن تحيا في ظل هذا التنوع في كتب متعددة
المشارب.
ونحن البشر.. نحن البشر؛ لا بد أن نتعلم ونحيا في مضمون هذه الحقيقة، وليس في توازن قائم على الفوضى والمحسوبيات والأخوانيات والعلاقات والزعامات
والكيانات.
التوازن في الوزارات يفترض ألا يقوم على أساس هذا المكون وهذه الهوية وهذا المذهب، ولا هذه المرأة ولا هذا الصديق ولا هذا القريب، ولا هذا الشاب ولا هذا العجوز الذي أفل زمانه.
ما يجمع التوازن هو الوعي والخبرة والكفاءة والمقدرة في أداء هذا العمل المناط به.. واذا لم يتوفر على وفق هذه المواصفات الموضوعية المطلوبة، فلا بأس أن يتكرر الأشخاص من ذات المكون، وهذا لا يعني ابدا الاستئثار من هذه الجهة أو تلك، كما لا يعني أبدا أن وجود أكثر من شخص يحمل هذه البشرة أو تلك ضمن حلقة عمل معينة.
إن من نختاره ينبغي ألا يعمل من أجل طائفته أو قوميته أو انتمائه.. بل هو على العكس من ذلك يفترض أن يمتلك القناعة الكاملة على أنه سيعمل من أجل الجميع ومن دون تفريق مثلما يفترض بمن اختار هذا الشخص المنتقى، انه لا يمثل مكونه، وإنما اختير من أجل أن يعمل لصالح الكل ومن دون تفريق بين شخص وآخر، من هذا المكون أو ذاك ما دام في موقع المسؤولية.
نعم.. هو مختار من قبل مكون واحد لعمل محدد، ولكنه قد لا يتقن هذا العمل في حين يفترض أن يقدم الشخص، الذي هو جدير وعارف بالمسؤولية المناطة به، وألا يكون اختياره على أساس أن يحقق المكاسب لهذا المكون بعينه، ولا أن يتباهى هذا المكون على أن من اختاره هو أنموذج لخدمتها، وإنما هو الأنموذج الأفضل والأحسن والأنقى والأجدر، الذي يمكن أن يخدم الجميع وليس فئة أو مكونا بعينه.. هذا ما ينبغي أن نعرفه ونتعلمه ونشيعه بين
الناس.
كما أن غياب المرأة عن وزارة أو مديرية أو لجنة..؛ لا يعني أبدا تغييبها عن المشهد أو تقليل أو إهمال لشأنها بوصفها نصف المجتمع.. وإنما قد لا نجد المرأة الكفء لأداء هذه المهمة بعينها، ولا التخصص الذي ننشده عندئذ يصار إلى اختيار الرجل المناسب ليكون بديلا، واختياره هذا لا يعني حرمان المرأة من استحقاقها الطبيعي، فلها أن تعمل وتنجح في ميدان آخر قادرة على التفوق
فيه.
التوازن.. احترام للتنوع الاجتماعي العراقي مهم، شرط ان يكون هذا التوازن ليس على حساب المقدرة والكفاءة والنزاهة والتخصص وليس على أي اعتبار اخر.. فمن يتولى المسؤولية؛ يفترض أن يكون عقلا وفهما وممارسة خارج أي انتماء مذهبي أو عرقي أو قومي أو سياسي، ذلك انه الشخصية الجديرة والمعبرة والممثلة والمخلصة والفاعلة، التي تتولى خدمة الجميع من دون تفريق أو استثناء.. فالعدالة والحق هما السبيل إلى النجاح.