التلفزيون الورقي

آراء 2024/08/12
...

 حمزة مصطفى

نضطر للعودة دائما إلى قصة الصحافة الورقية، لكن من زاوية هل لها قراء في ظل التحول المذهل في العالم الرقمي وصحافته الإلكترونية أم لا؟ ومع أن هذا السؤال بات يتكرر كثيرا، لكن الإجابة عليه وهي دائما إجابة تقليدية إن الصحافة الورقية، وإن بدأت تتراجع من حيث كمية المطبوع، لكنها لا تزال ذات حضور وأحيانا حضور كثيف في العديد من البلدان في العالم، وفي المقدمة منها البلدان المتقدمة.

ففي بعض البلدان بمن فيها العربية، لا تزال هناك طبعات مسائية للصحف الورقية. وفي بلدان أخرى مثل اليابان والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا لاتزال الصحف الورقية تطبع بمئات الآلاف. صحيح إنها كانت تطبع نسخا بالملايين، لكن حركة الزمن والتطور التقني وخيارات القارئ بعد اختراع اللابتوب جعلت القراءة الإلكترونية أسهل وأسرع. لا أريد هنا الحديث عن جانب ربما هو الأهم فيما يميز الصحافة الورقية عن سواها من أنواع الوكالات والصحافة الإلكترونية، وهي المعايير الصارمة في دقة الخبر أو التقرير أو المعلومة الجديدة أو الوثائق، التي تعرض للمرة الأولى، والتي لا تزال تحتكرها كبريات الصحف الورقية في العالم. 

كل هذه المقدمة الطويلة نسبيا عن الصحافة الورقية من جهة، والعالم الرقمي الالكتروني من جهة أخرى ليست هي ما سوف أتناوله لكي أثبت ربما في محاولة يراها الآخرون من عشاق العالم الرقمي بأنها محاولة بائسة من صحافي "عتيق" لا يزال يتشبث برائحة الورق والحبر، بينما لا يزال غير قادر على استخدام الحاسبة واللابتوب بل حتى الهاتف الذكي إلا "بطلعان الروح" بل أمر آخر تماما. يتذكر من لا يزال حيا من أبناء الجيل الذي سبق جيلي إن الصحافة الورقية التي بدأت عندنا في العراق عام 1869 عندما صدرت صحيفة "زوراء" الزوراء، لاحقا على عهد الوالي العثماني المصلح مدحت باشا كانت هي ملكة الساحة الإعلامية حيث لامنافس لا من قريب ولا من بعيد. لكن مع اختراع الإذاعة، التي بدأت عندنا في العراق عام 1936 صارت تنافس الصحافة الورقية من جانب وتساهم في انتشارها من جانب آخر. صار بمقدور الناس الاستماع إلى الأخبار من المنزل بدل الذهاب إلى المكتبات لشراء الصحيفة الورقية لقراءة الأخبار. ومع هذا التنافس بقيت الورقية قائمة، وبل ومزدهرة مع وجود منافس جديد وغير متوقع. الأمر نفسه حصل بعد سنوات عندما تم اختراع التلفزيون الذي بدأ عندنا في العراق عام 1956، والذي أخذ ينافس كلا من الإذاعة والصحافة الورقية.  ومع كل ما قيل عن نهاية الإذاعة والصحافة الورقية بسبب التلفزيون، لكن ذلك لم يحصل وإن كانت نسب القراءة والمشاهدة والاستماع تتفاوت حسب الأذواق والرغبات. المفاجأة التي لم تكن متوقعة وبسبب التطور المتسارع في الإلكترونيات، والتي دخلت عالم الصحافة والإعلام من أوسع الأبواب، فقد وصلنا اليوم إلى ما يمكن أن أسميه "التلفزيون الورقي". ففي ظل اليوتيوب والتطبيقات الرقمية الجديدة مثل بودكاست، وغيرها فإن نسب المشاهدة للتلفزيون المركون في زوايا الغرف، غرف النوم، المكاتب، المقاهي، الشوارع تدنت لتنتقل إلى العالم الرقمي. ففي البرامج الحوارية التلفزيونية وغيرها فإن المقاطع الأكثر إثارة من الحوار يجري تقطيعها وبثها في العالم الرقمي، وتحقق نسب مشاهدة أحيانا تكون مرتفعة جدا. التفلزيون الواقعي تحول إلى منتج للمادة مثل الصحيفة الورقية، لكن سبل الانتشار تكون عبر العالم 

الرقمي.