علي رياح
أقولها بالفم المليان، واستناداً إلى المعطيات والحقائق والوقائع، وليس رجماً بالغيب: لن يكون في وسع العراق – على المدى المنظور- إحراز وسام أولمبي.
على مدى الساعات التي مضت رأينا حجم الاهتمام الإعلامي والشعبي بالرباع الواعد علي عمار يسر، وكيف طار العراقيون فرحاً بوقفته الشجاعة الواثقة بين كبار رفع الأثقال على مستوى العالم، وكيف انتهى المشهد إلى تبادلنا التهاني برغم أن هذا الفتى المبدع لم يصل إلا إلى المركز السادس في نهاية الأمر.. لقد عشنا في أمسية السبت زمناً من الانتظار والترقب والتفاعل لمجرد أننا أدركنا بعين اليقين أن لدينا مَنْ في وسعه أن يدنو من التتويج الأولمبي، لكن حدثاً مهماً كهذا سيمضي وسيطوي تفصيلاته وسنعود إلى سيرتنا الأولى التي دأبنا على تكريسها منذ عقود من الزمن.
فالرياضة في العراق وقفت وستقف عند حدود من النجاح، ولا قول الإنجاز، لأن المنهج الذي نختطّه ونسير وفقه لا يمكن أن ينتج لنا أبطالاً أولمبيين.. أتحدّث عن المنهج (المُزمن) ومعه بالطبع أتحدث عن صنوف التمويل والدعم والرعاية التي تذهب إلى غير موضعها، ولا تنتج لنا إلا نجاحات محدودة بين حين وآخر على مستوى غربي آسيا أو الدورات العربية، وإذا تطور الأمر كثيراً ننال أوسمة متفرقة متباعدة في البطولات أو الدورات الآسيوية.
دخلت ثلاث وثمانون دولة لائحة الأوسمة في دورة باريس، بينها سبع دول عربية هي الجزائر والبحرين ومصر وتونس والمغرب والأردن وقطر.. حصادها جاء في رياضات: رفع الأثقال، الجمناستك الإيقاعي، ألعاب القوى، الملاكمة، المبارزة، الخماسي الحديث، وكرة القدم للمرة الأولى عربياً.. وعندي يقين راسخ بأن أيّاً من هذه الدول لا تملك عدداً من الاتحادات الرياضية يوازي عدد هذه الاتحادات في العراق، والأمر ينطبق على عدد الأندية التي تتوسع لدينا بالانشطار والتبرعم دونما توقف، بينما يترهّل عدد الاتحادات الرياضية باعتماد المزيد من الرياضات بلا طائل أو فائدة أو قيمة يمكن أن تُضاف إلى أي رصيد يمكن أن يحققه العراق على الصعيد الدولي أو الأولمبي.
نحن نتعمد سياسة الكثرة في الألعاب والاتحادات والأندية، وغيرنا يعتمد حصر الدعم والاهتمام والمال بالألعاب ذات الجدوى والقيمة والحضور الأولمبي، يترتب على هذا التوسع الأفقي كل شهر أو كل سنة تشتت التركيز وضياع الدعم وتبديد المال، فكيف لنا أن نصنع بطلاً أولمبياً؟.
كنت قبل دورة باريس في حوار صريح مع الدكتور عقيل مفتن رئيس اللجنة الأولمبية العراقية حول كل هذا.. الرجل يريد أن يعمل ويريد أن يطور ويغير بعد عقود من العمل السلبي وتبعاته، لكنني أرى أن أي تغيير نحو الأفضل لا يمكن أن يتحقق من دون اعتماد ستراتيجية تُوقف النزف أو الترهل في عدد الأندية والاتحادات، التي بلغنا فيها أرقاماً قياسياً ربما على مستوى العالم.
مشاهد تألق رباعنا الواعد علي عمار يسر لن تغادر ذاكرتنا، هذا صحيح، والصحيح أيضاً أن نضع التخطيط والمال والدعم بعد الآن في موضعه. كنت أزور هذا الرباع في معسكره المحلي خلف أحد مدرجات الملاعب في مدينة الصدر، فلا أجد سوى إصرار عجيب من والده ومدربه وإخوته وأعمامه على الإعداد في ظروف قاسية، بينما كانت كرة القدم تلقى الحظوة والرعاية والتشجيع وظروف الإعداد المُريحة، لتقدم لنا الإخفاق في نهاية المطاف.
تنصيص
نحن نتعمد سياسة الكثرة في الألعاب والاتحادات والأندية، وغيرنا يعتمد حصر الدعم والاهتمام والمال بالألعاب ذات الجدوى والقيمة والحضور الأولمبي