أ.د.جاسم يونس الحريري
نهض الصهاينة يوم السبت الموافق 7تشرين الاول/ أكتوبر2023 على هجوم كاسح من قبل أبطال المقاومة الفلسطينية (حركة حماس)، حيث انهالت الرشقات الصاروخية وتبعتها عمليات إنزال في الأراضي الفلسطينية المحتلة أرعبت العدو الصهيوني ومؤسساته العسكرية والأمنية والاستخبارية، وحطمت المعنويات وسط ذهول للصهاينة بعد أن باغتهم مقاتلو حماس وهربوا مذعورين من هذه العملية النوعية من حيث التوقيت، والامكانيات، والمهارات والقتال الصلب لرجال المقاومة بعد سنوات من الاستهداف الممنهج للشعب العربي الفلسطيني وتهجيره إلى المنافي، وتوسيع عمليات الاستيطان للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية والملاحقات لقيادات المقاومة الفلسطينية لتصفيتهم، واعتقال عناصر الحركات والفصائل الفلسطينية طوال السنوات الماضية، إلا أنهم فشلوا في كسر شوكة المقاومة بعد الاعتقالات الممنهجة والاعتداءات على المخيمات الفلسطينية وتهويد القدس ومحاولة محو الهوية العربية للأراضي الفلسطينية المحتلة، عبر تغيير أسماء البلدات إلى أسماء صهيونية وإجبار المواطن الفلسطيني على التعامل بالعملة الصهيونية (الشيكل) والتكلم باللغة العبرية. ووجه الهجوم المباغت الذي شنته حركة حماس ضد (إسرائيل)، انطلاقا من قطاع غزة ضربة للزخم الذي اكتسبه في الأشهر الماضية المسعى الأمريكي لإبرام اتفاق تطبيع بين الدولة العبرية والسعودية، وأعاد تركيز الأنظار على القضية الفلسطينية. ويدفع الرئيس الأمريكي (جو بايدن) في اتجاه الاتفاق بين الرياض والدولة العبرية لما سيشكله من مكسب دبلوماسي يعزز حملته للانتخابات الرئاسية في 2024. عرقلة التطبيع المحتمل للعلاقات بين (إسرائيل) والسعودية ربما يكون من دوافع الهجوم الذي شنته حماس على (إسرائيل)، هذا ما صرح به (أنتوني بلينكن) وزير الخارجية الأمريكي، في إشارة واضحة للضربة التي وجهتها عملية (طوفان الأقصى) لمساعي التطبيع بين الرياض والدولة العبرية. وأضاف بلينكن في مقابلة مع شبكة (سي إن إن) «إن الولايات المتحدة لديها علم بتقارير عن مقتل عدة أمريكيين في إسرائيل وتعمل على التحقق منها». وتلقى اتفاقات التطبيع معارضة شديدة من الفصائل الفلسطينية مثل حماس، إضافة إلى كامل (محور المقاومة)، الذي يضم إيران وحلفاءها في المنطقة. وتنظر طهران، العدو الإقليمي اللدود (لإسرائيل)، إلى اتفاقات التطبيع هذه على أنها (طعنة في ظهر الفلسطينيين). وبعد التصعيد الإسرائيلي، ذكرت وزارة الخارجية السعودية بـ (تحذيراتها المتكررة من مخاطر انفجار الأوضاع نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته). ويقدر الباحث السعودي (عزيز الغشيان) أن موقف الرياض يهدف إلى دحض الشكوك بأن المملكة ستولي التطبيع أولوية على حساب دعم حقوق الفلسطينيين. وأوضح (هذا الوضع دفع السعودية للعودة إلى دورها التقليدي، ووضع نتانياهو عقبة أخرى أمام المباحثات، لأنه قال إن هذه حرب الآن. لا أتوقع أن يحصل التطبيع على خلفية حرب). ومن جهته، رأى مسؤول أمريكي أنه لا يزال (من السابق لأوانه الحكم على مدى تأثير الأحداث على مباحثات التطبيع). وتواصل وزير الخارجية الأمريكي (أنتوني بلينكن) مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان. وأكدت الخارجية السعودية أن الأخير شدد على (رفض استهداف المدنيين العزل بأي شكل وضرورة احترام القانون الدولي الإنساني من جميع الأطراف). وأعتبر (يوست هلتيرمان) مدير الشرق الأوسط في (مجموعة الأزمات الدولية) أن أحد دوافع حماس لشن العملية العسكرية ضد (إسرائيل) قد يكون الخشية من (تهميش إضافي مقبل للقضية الفلسطينية في نظر الفلسطينيين) في حال طبعت السعودية مع (إسرائيل). وأشار إلى أنه في حال مضت (إسرائيل) في التصعيد ردا على العملية، ستكون الدول العربية ملزمة اتخاذ مواقف أكثر تصلبا تماهيا مع الرأي العام. وقال (إذا حصل كل ذلك، أتوقع سيناريو مشابها للسلام البارد بين إسرائيل والأردن وإسرائيل ومصر: أن نشهد فتورا في العلاقة بين الإمارات وإسرائيل، وربما إرجاء على أقل تقدير، لأي صفقة بين إسرائيل والسعودية). ولفت الباحث في مجلس العلاقات الخارجية (ستيفن كوك) إلى أن استطلاعات للرأي في المملكة تؤشر إلى أن 2%من السعوديين يؤيدون التطبيع. وكان نتنياهو الذي يقود أكثر الحكومات يمينية في تاريخ (إسرائيل)، قد طوى صفحة السلام مع الفلسطينيين، وقدم التطبيع مع دول الخليج على أنه المستقبل، خصوصا في ظل ما يجمعها بـ(إسرائيل) من توجس مشترك حيال إيران. وعلى الرغم من أن ايران والسعودية اتفقتا في نيسان/ أبريل2023 على استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد سبعة أعوام من القطيعة، وجهت طهران انتقادا لاذعا للحديث عن تطبيع محتمل بين الرياض وتل أبيب، كما سبق لها أن انتقدت كل اتفاقات التطبيع السابقة. واعتبر الرئيس الإيراني الراحل (إبراهيم رئيسي) (أن المقاربة الواجب اعتمادها حيال إسرائيل هي المقاومة عوضا عن (التطبيع والاستسلام). وفي بيان تهنئة لحماس، اعتبر حزب الله اللبناني أن عملية طوفان الاقصى (رسالة إلى العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي بأسره وخاصة أولئك الساعين إلى التطبيع مع هذا العدو أن قضية فلسطين قضية حية لا تموت حتى النصر والتحرير). واعتبر السيناتور الأمريكي الجمهوري (ليندسي غراهام) (أن هجوم حماس المدعومة بدورها من طهران، يبدو مصمما لوقف مساعي السلام بين السعودية وإسرائيل). وأضاف (اتفاق سلام بين هذين البلدين سيكون كابوسا بالنسبة لإيران وحماس).