فضائح أولمبياد باريس.. ومستقبل ماكرون

آراء 2024/08/13
...

سناء الوادي

في الحقيقة فإن الفضائح المتلاحقة التي تحدث فيه ومنذ انطلاق افتتاحيته، التي طالتها الانتقادات وبشدة وبعد ذلك منها ما هو متعلق بالتجهيزات اللوجستية وأخرى متعلقة بالتنظيم الأمني وغيرها سآتي على ذكرها
وعدَ {جاك شيراك} أحد رؤساء فرنسا ذات مرة الفرنسيين بأنهم سيسبحون في نهر السين قريباً لكنه لم يفِ بهذا الوعد، وحُرمَ الباريسيون من نهرهم الرائع لمئة عام خلت بسبب مخططات الصرف الصحي الفاشلة والتي سببت بتلوث هذا النهر وحظر السباحة فيه.
ما ذكَّرني بهذا الوعد الشيراكي هو إعادة الكرّة من الرئيس الحالي “ إيمانويل ماكرون “ وعمدة باريس “أنا هي ديلغو “ وذلك أثناء التحضيرات لاستضافة الأولمبياد هذا الحدث الرياضي الأبرز عالمياً في دورته الثالثة والثلاثين، والتي بدأت بالتجهيز له في العام 2021 م لربما كانت نوعاً من التمترس السياسي خلف الرهان على نجاح الأولمبياد، لكن الرياح كانت عكس اتجاه الأمنيات، وفي الحقيقة فإن الفضائح المتلاحقة التي تحدث فيه ومنذ انطلاق افتتاحيته، التي طالتها الانتقادات وبشدة وبعد ذلك منها ما هو متعلق بالتجهيزات اللوجستية وأخرى متعلقة بالتنظيم الأمني وغيرها سآتي على ذكرها.
وفي هذا لا بد من العودة خطفاً إلى اللحظات الأولى التي عملت فيها الدولة الفرنسية على إنشاء وتجهيز البنى التحتية الخاصة باستضافة الأولمبياد وبناء القرية الأولمبية، ففي تقرير صدر عن الكونفدرالية العامة للعمل – من كبريات نقابات فرنسا – أنه جرى استغلال كبير للمهاجرين غير الشرعيين الذين لا يملكون أوراق إقامة نظامية والعمل في ظروف غير إنسانية بدون عطل ولا راحة وتعرضهم لأقسى المعاملة وابتزازهم، كونهم لا يتمتعون بالحقوق كباقي العمال.
ومن ذلك فإنه من غير المستغرب ما تبثه وسائل الإعلام عن تقصيرٍ هنا وفضيحة هناك، تنمّ عن سوء التنظيم وهذا ما سيستغله اليمين المتطرف الفرنسي أنجع الاستغلال لمهاجمة الرئيس وسياسته، فمجرد الفشل في تنظيف النهر والذي كلف الدولة الفرنسية مليار وأربعمئة مليون يورو بالتزامن مع ما يعانيه المواطن الفرنسي من التضخم وغلاء المعيشة وفي ظل التظاهرات التي تندد بقرار الحكومة برفع سن التقاعد، انطلقت حملة قادها نشطاء للتبرز في نهر السين في اليومين الماضيين... اعتراضاً على الأولمبياد حيث كانت النتيجة إلغاء سباق التراياثلون بسبب التلوث وغير مطابقته للمواصفات العالمية، ناهيك عن ازدواجية المعايير الرياضية التي كشفت زيف البلد الذي يتغنى بالحريات والدفاع عنها، فقد تمت استضافة جندية إسرائيلية كلاعبة في الجمباز الإيقاعي الفردي “لينوي أشرم “ في الوقت الذي تم فيه منع مشاركة الرياضيين الروس والبيلاروس أو اشتراط المشاركة تحت علم محايد، فضلاً عن حوادث السرقة التي تكررت مع الرياضيين الضيوف في القرية الأولمبية، والتي أوقعت فرنسا في حرج بالغ، إضافةً لقلة كميات الطعام خاصةً تلك التي تحتوي على البروتين وما قيل عن شراء بعض اللاعبين لفرش إسفنجية لأن الأسرَّة الكرتونية كانت غير مريحة، كل ذلك مترافق مع غياب التكييف والشكوى من الحرِّ وقلة النوم.
وفي سياق متصل فإن هذا الحدث الرياضي والذي وُصف بالأسوأ سيبقى وصمة عار على جبين فرنسا ليس من الجوانب آنفة الذكر فقط، وإنما ستشوه تاريخاً من الأكاذيب الأخلاقية، التي سوقتها للعالم وأظهرت حقيقة المثل التي تصدرها لغيرها من الشعوب، فالإساءات المتكررة للنبي محمد في صحفهم وفنونهم كانت تبرر بحجة الإسلاموفوبيا، لكن ماذا حول الافتتاحية التي أساءت وبشكل فاضح للنبي عيسى المسيح؟
ما هو المبرر الآن، هل هو خطأ غير مقصود كما قالوا، لا أعتقد ذلك، فإن المتابع لشؤون الأسرة والقيم المجتمعية في القارة العجوز يدرك أن الأزمة الأخلاقية باتت الآن تطفو للسطح وتظهر جليةً، فمن إباحة الإجهاض إلى الحرية الجنسية المثلية وما رمزت إليه بوضوح افتتاحية المونديال من استضافة المثليين وتمثيلهم لبلادهم واحتضان الأطفال بطريقة غير لائقة، حيث يرمز ذلك لما ينادي به البعض من حماية حرية ممارسة الجنس مع الأطفال.
إذاً فرنسا تظهر كمدافع عن اللادينية “ اللاهوتية” هي ضد الفطرة البشرية.
مما سبق فإن الأولمبياد الذي تجري فعالياته الآن سيكون سيفاً بيد المعارضة الفرنسية واليمين المتطرف، وقد يكون سبباً للإطاحة بالرئيس الفرنسي.

 كاتبة وإعلامية سورية